| د. سعاد الصباح |
لا يختلف اثنان على أن هذا
الزمن العربي مريض... مريض في جسده، ومريض في نفسه، ومريض في أخلاقه، ومريض في
مثله العليا.
وربما كان مرض الأمة العربية الأخير، هو أخطر أمراضها وأشدها فتكاً، لأنه أصاب جهاز المناعة فيها، تماماً كما يفعل مرض (الإيدز) في ضحاياه. فالمناعة القومية التي كانت تتمتع بها الأمة العربية في الخمسينات، والقوة الروحية في الجسد العربي، بدأت تتلاشى تدريجياً، وبدأ الجسد العربي يشحب، ويذبل، وبدأت أعراض الشيخوخة القومية تحفر قسمات وجهه. وإلا فمن كان يصدق أن القامة التي كانت تتوهج عافية وكبرياء... تتقوس بهذا الشكل المفجع، وأن المئة والخمسين مليون عربي، الذين كانت تتفجر أحلامهم، وطموحاتهم، وتشتعل نيران البطولة فيهم... قد تحولوا إلى يتامى. وإذا كانت الأمة العربية مريضة في أحلامها، فهل تمرض الكتابة أيضاً بالعدوى؟ وإذا مرض الأدب، فمن ينفخ الروح في الأمة، ويشد العزائم، ويذكي نار المقاومة، ويشعل القناديل. وإذا استقال الشعر، فمن يأخذ مكانه على الخطوط الأمامية، ومن يبقي شجرة الأمل خضراء.. ومن يزرع الفرح في عيون الأطفال... ومن يحمي لغتنا الجميلة من الانقراض؟ هناك ثلاثة لا يسمح لهم بالاستقالة لأي سبب كان: المعلم، والطبيب، والشاعر. فالأول مسؤول عن عقل الأمة... والثاني مسؤول عن سلامة جسدها... والثالث مكلف بحراسة أمانيها وأحلامها ومثلها العليا... إنني أعترف أن الشاعر العربي يعيش في الزمن الصعب، وأنه يكتب على جدران المنفى... وتحت سيف القمع والإقامة الجبرية. ولكن هذا كله لا يعطيه مبرراً للاستقالة... فالشعر خلال كل العصور كان ابن الصعوبة والمعاناة والاستشهاد... ولم يكن ابن الطمأنينة والسهولة والنوم على فراش من حرير. والذين لاينفون، ولا ينزفون، ولا يموتون فوق أوراقهم... ليس لهم مكان في قائمة الشعراء ولا في قائمة الشهداء... إن الشعراء العرب ممنوعون من اليأس، ولا أقول: ممنوعون من الحزن، وممنوعون من الاكتئاب... فالمشاهد الانفصالية، والتجزئية، المذهبية، الطائفية، الرجعية، التي نراها حولنا، تدعونا بكل تأكيد إلى الاشمئزاز والقرف. ولكن اليأس يجب ألا يتسرب أبداً إلى قياداتنا الفكرية. فالمفكرون والكتاب والشعراء هم حصانتنا ومناعتنا ضد جميع خفافيش الردة والشعوبية التي تحاصرنا. إنني مؤمنة إيماناً قوياً بأن ما تمر به الأمة العربية هو حالة عابرة ومؤقتة مرت بها أمم كثيرة... ولكن المهم ألا تنكسر روح الأمة، ولا تسقط معنوياتها. وهذه مهمة أهل الفكر والإبداع بالدرجة الأولى. فهم حراس بواباته، وهم المدافعون عن تراثه الوطني وقيمه الروحية. * من كتاب «كلمات... خارج حدود الزمن» |
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق