لوحة بريشة د. سعاد الصباح
الرسالة الثانية
يا سلطان قلبي :
بحق جميع سلاطين الدولة العثمانية . . وبحق من ولدتك .
إذا كنت تعتقد أني خدمت أمبراطوريتك بإخلاص وشرف . .
فإنني أنتظر على الأقل وسام تقدير على إنجازاتي . .
فباسم كل ما يمثله اللون الأخضر لك ولي أدعوك إلى الصعود
إلى المركب مرة ثانية . .
فالبحر جميل . . والآفاق التي لم نعرفها أروع من الآفاق
التي عرفناها . .
والمشاوير التي لم نمشها أحلى من المشاوير التي مشيناها
. .
المهم أن تعرف كم أحبك . . وكم العالم ضيق بدون عينيك .
.
هفواتي معك كثيرة . . وحماقاتي كثيرة . . ولكن طفولتي
تشفع لي عندك . .
هل يطاوعك قلبك كأب – وأنت أبي – أن تقطع حبل المشيمة
الذي يربطني بك . .
وتتركني في غربة الليل والزمهرير . . بلا شراب . . ولا
طعام . .
أحاول أن أسحب من لحمي خنجراً طعنت به نفسي . .
أحاول أن أصلح
المركب المثقوب . .
أحاول أن ألحق
بالقطارات الذاهبة إلى عينيك . .
أحاول أن ألصق
الزمن المكسور . .
أحاول أن أقنعك أنني لست مسؤولة . .
لكنني طفلة . . والطفلة لا تُسأل عن الأواني التي كسرتها
. .
1
أكيد أنني تغّيرت . . وأكيد أنك تغيّرت . .
ذوقي تغيّر . . أحساسي تغيّر . . مواقفي تغيرت . .
سلوكي مع الآخرين تغير . . وكذلك أنت . .
أنت أعدت صياغة ذوقي وأعدت صياغتي . .
ونقلتني من المرحلة السيبيرية . إلى المرحلة الاستوائية .
.
وأعتقد أن الحب الحقيقي هو إعادة صياغة من نحبهّم وإعادة
تشكيلهم . .
أنت تغيّرت كثيراً . . وأنا تغيّرت كثيراً . .
أنت غيّرتني . .
وأنا غيّرتك . .
أنا أعدت صياغتك ، وأنت أعدت صياغتي . .
ولأننا تداخلنا ، وتوحدنا ، وانعجنـا ببعضنـا ، نجحت
تجربتنـا كم لم تنجح تجـارب الآخرين . .
وصرنا ملوكاً على عرش الحب حين بقي الآخرون في عداد
الرعايا . . .
إنني أعرف أننا عانينا كثيراً . . واصطدمنا كثيراً . .
وغضبنا كثيراً . .
ولكن كل هذا كان جزءاً من عملية الخلق . . ومن عملية
التكوين . .
إن ولادة الأطفال فيها كثير من التمزق ، والوجع ، والنـزف
، والصراخ ، وكذلك ولادة الحب العظيم . . .
2
فاحمد الله . . أنه رزقنا طفلاً من أجمل أطفال العالم ...
لا تنتقد أشتعالي ، وبروقي ، ورعودي ، فلولا عواصف الشتاء ما طلع الربيع . . .
ولولا الرياح ما وصلت المراكب . . .
أهتم بطفلنا الرائع الذي صار عمره عشرين سنة فليس في
العالم كله طفل أجمل من طفلنا الجميل . . .
أحبك . . ولا أستأذنك . . ولا أستشيرك . .
ولا أطلب من أي سلطة تأشيرة الدخول إليك . .
فأنت البلاد التي ولدت فيها . . . وأريد أن أموت على
ترابها . . .
فهل تقبلني لاجئة سياسية إلى عينيك ؟ ؟
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق