وجها لوجه
|
د. سعاد الصباح وعبدالله الشيتي
|
لم تكن خطواتها الأولى المحلقة في
فضاء الحرف إلا مقدمة لما تلاها بعد من طموح معرفي وثقافي خلاق. فلم تكتف
شاعرتنا د. سعاد الصباح بدورها كواحدة من مبدعي ومبدعات الكلمة العربية الفاعلة.
إنما تجاوزت ذلك بالانصهار في هموم مجتمعنا وواقعنا العربيين عبر منظور ورؤى
اجتماعية سياسية وثقافية تتميز بالعمق والوعي. إذن فهي لم تحلق بجناحين من
الشمع، صعودا إلى الشمس المتقدة، كما تروي أسطورة إيكاروس. لم تكتف بجناح الكلمة
(الشعرية) خفاقا إلا وزاوجته بجناح الكلمة (العلمية) ذات الخصائص الفكرية من خلال
مقالات وأبحاث ثاقبة بصفتها حاملة لدرجة الدكتوراة في العلوم السياسية. ولذا
اتسمت كتاباتها بشفافية الحلم الممزوجة برماد الواقع العربي. صقلتها التجربة
الفاجعة فأعطت لشعرها صوتا متميزا وعمقا متفردا، واستبدلت السيدة الأميرة
بالقلائد القصائد وبالعطر الحبر. واستعصى شعرها وكلماتها، رغم الطعنة الغادرة
والاجتياح العاصف، على الانكسار والقهر، وظلت تغني للكويت العائدة. وحين انحسر
الظلام الآثم. بدأت دورا جديدا، في وجه آخر من وجوه معركتنا الحضارية. وفي
الساحة الثقافية كان إسهامها بدار نشر جديدة تعتبر رافدا حيويا من روافد الإبداع
في وطننا العربي. إنها فكرة (الاستثمار الثقافي) التي تدعو إليها وتعمل على
اتساع رقعته معرفيا. الشاعرة الدكتورة سعاد الصباح يحاورها في هذا العدد الأستاذ
الكاتب المعروف عبد الله الشيتي..
-
هذا سؤال صعب، لأن المرايا لا تستطيع أن ترى نفسها، فالصورة الذاتية للكاتب Self Portrait لا يرسمها هو.. وإنما يرسمها
الآخرون له. كل ما أستطيعه هو رسم صورة تقريبية لنفسي، فأنا امرأة عربية خليجية،
تحاول بالكلمة وبالسلوك أن تسهم في إسعاد الإنسان، وزرع بذرة حب صغيرة في أرض
البشر.
إن
حلمي منذ طفولتي هو أن أكون جدولا صغيرا يفيض في فصل الربيع، ويسقي الأعشاب
والأزهار، والنباتات الصغيرة التي تتجمع على ضفافه.
هذه
هي هوايتي الأولى، التي رافقتني منذ ولادتي، هواية الجدول الذي يريد أن يتدفق
وأن يفيض في كل الاتجاهات.
إن
العطاء هو حالة شعرية بحد ذاته، وما دام الماء موجودا في أعماقي فلماذا لا أرش
الدنيا بماء محبتي، وأزرع أشجار الشعر في كل مكان؟ إن كتابة الشعر ليست عملا
عبثيا، أو لعبة لغوية كما يتصور بعض الناس، ولكنها التزام نحو الإنسانية، وحركة
باتجاه الخير، والعدل، والحرية، والمثل العليا.
فوضى
الحداثة
-
التنظيرات التي كتبت عن الحداثة أدخلتنا في دائرة مغلقة وسببت الكثير من الغموض
والفوضى.. حتى اختلطت أمامنا الاتجاهات.. وصارت الحداثة الواحدة حداثات.. وحرية
الشعر انفلاتا لا ضوابط له.
الحداثة
عمل صحي ومشروع، لأن الحياة نفسها تتغير وتتطور وتغير أثوابها كل يوم، ولكن
الحياة تتطور في إطار منطقي وهادئ وعلمي. بحيث لا تتحول السمكة فيها إلى
أخطبوط.. والنملة إلى فيل.. خلال أسبوع.. أو خلال شهر.
والحداثة
الشعرية لا بد لها أن تصدر عن منطق، وعن نظام وإلا تحولت إلى حركة تخريبية
وانتحارية الحداثة الشعرية ليست أبدا قفزة في فراغ اللغة، وفراغ التراث.. وفراغ
التاريخ، والمحدثون الذين جربوا أن يرموا بأنفسهم من فوق سطح اللغة الشعرية بدون
مظلة.. كسرت أعناقهم.
وبالنسبة
لي، كانت خطواتي من أرض القصيدة التقليدية، إلى أرض قصيدة التفعيلة وقصيدة
النثر، خطوات متزنة، لم أضع فيها رأسي ولا أضعت ذاكرتي الشعرية.
-
لا أريد أن أعود إلى موضوع أصبح في نظري مستهلكا، فالنظام العراقي خدع الجميع
بنواياه الطيبة، وتطلعاته القومية، ولم يخدعني وحدي. وفي حالة الغش الفكري،
والاحتيال الأيديولوجي، فإن المسئولية هي مسئولية الطرف الغشاش.. لا مسئولية من
وقع في حبائل الغش.
كل
ما أستطيع أن أقوله إن النظام العراقي أوقعنا جميعا في كمين مغطى بأوراق
الشجر...
وعلينا
بعد اليوم، أن ندرس مواقع أقدامنا جيدا.. حتى لا نقع في الحفرة مرة أخرى.
-
نزار قباني طفل يصرخ على ورقة الكتابة.. وأنا حين حاورته على صفحات (العربي) كنت
سعيدة بصراخه.. لأن الأطفال لا يكذبون.. ولا يحتالون.. ولا يزورون كلماتهم.
كلام
نزار- رغم عنفه في بعض مقاطع الحوار- كان كلاما مقنعا وصادقا.. وإذا كان نزار قد
استطاع على مدى خمسين عاما من رحلته الشعرية أن يقنع ملايين العرب بأفكاره شعرا
ونثرا.. فلماذا لا أقتنع أنا.. فأنا واحدة من أقدم قارئاته...
أما
قول نزار (إن الشاعر حالة) فهو قول دقيق جدا، لأنه يعطي الشاعر شكل الموجة، أو
شكل البرق.. أو شكل المفاجأة، وإلا فما قيمة الشاعر إذا تحول إلى حجر.
حرية
النثر والبروتوكول الشعري
-
التجربة النثرية بالنسبة لي تجربة مع الحرية، لأن الشعر على أهميته، له قواعد
صارمة، وخطوط حمراء، وممنوعات كثيرة، أما النثر فإنني أشعر معه بأنني على طبيعتي
وسجيتي. وإنني ألبس ثيابا رياضية خفيفة، بعيدا عن صرامة البروتوكول الشعري
واللباس الرسمي.
وأنا
أفكر الآن في إصدار مجموعة من قصائد النثر التي كتبتها، علما بأن الجدار
التاريخي القائم بين الشعر الجميل والنثر الجميل، هو في طريقه إلى الزوال.
-
لا أؤمن بفصل الإنسان إلى أقاليم.. وقارات، و (جغرافيات).. فالإنسان ليس شقة
مقسمة إلى غرفة جلوس .. وغرفة طعام.. وغرفة نوم، ولكنه (وحدة حياته) غير قابلة
للتجزئة. وأنا حين أكتب شعرا، فإنما أكتبه بإنسانيتي ومواقفي وقناعاتي العاطفية
والقومية، وبتعبير آخر، ليس هناك حدود بين حياتي وبين أوراقي.
الشعر
عندي هو طريقة حياة.. والحياة مفصلة عندي على شكل قصيدة. حتى ليصعب على من
يقرؤني أن يعرف أين حدود القصيدة وأين حدودي أنا...
-كما
في الزراعة، فإن بذور الموهبة تحتاج إلى الماء.. والشمس.. والسماد.. والعناية،
فلماذا لا نطبق هذا المبدأ الزراعي على الثقافة؟
وإذا
كانت الاستثمارات التجارية، والصناعية، والمالية هي حلم جميع المستثمرين، فلماذا
لا نجرب (الاستثمار الثقافي) في دولنا النامية؟
إننا
في دول العالم الثالث بحاجة إلى استثمار كل شيء... وأي شيء في أرضنا... أو في
عقولنا.
والرأسمال
العربي في نظري مطالب بالتنقيب عن كنوز العقل العربي، كما في التجربة اليابانية،
لأن القرن الواحد والعشرين سيكون قرن المعرفة والتكنولوجيا، والاكتشافات العقلية
الباهرة.
حنجرة
في صندوق
-
في القديم توقفت عند ثلاثة من أهم شعراء العصر العباسي، وهم أبوالطيب المتنبي
وأبو تمام وأبو نواس، وفي بداياتي الشعرية تأثرت بشعراء المهجر الأمريكي وشعراء
مدرسة أبوللو في مصر. أما الآن فإن أهم الشعراء قربا مني هم بدر شاكر السياب،
ونزار قباني، ومحمود درويش، وسعدي يوسف، وأمل دنقل.
أما
سبب قلة عدد الشاعرات في الوطن العربي، فيعود إلى أن صوت المرأة كان على التاريخ
الطويل صوتا مقموعا، ومحاصرا، باعتبار أن ذكور القبيلة كانوا هم وحدهم أصحاب
(الصوت الجميل) و (الحنجرة الذهبية).
أما
صوت المرأة فكان دائما نشازا وموضوعا في صندوق مختوم بالشمع الأحمر، وأتصور أن
المرأة العربية رغم ما حققته من إنجازات اجتماعية وثقافية فإنها لا تزال تتكلم
من داخل الصندوق.!
-
بصراحة أنا متحمسة لشعري العاطفي والذاتي أكثر، لأنه شعر تلقائي وطبيعي،
والمرأة، أية امرأة في العالم، بحاجة إلى طريقة تبوح فيها بمشاعرها الداخلية
الدقيقة، وتتخلص من التراكمات التاريخية الحي تجثم فوق صدرها.
أما
الشعر الوطني فهو موقف عقلي وملتزم، يلجأ إليه الشاعر بسبب ظروف تاريخية طارئة
لا تحتمل التأجيل، أي أنه يشبه التعليق الصحفي اليومي ، الذي لا يستطيع أن
ينتظر، وإلا فقد مذاقه بمرور الزمن.
أما
الكمبيوتر فلن يهدد الشعر، إلا إذا استطاع في المستقبل أن يكتب قصيدة حب.. ويبكي
أمام شرفة الحبيبة، وتتسارع ضربات قلبه إذا ذهب إلى موعده الغرامي. أما قارئ
الشعر، فهو موجود دائما في وطننا العربي، لولا أجهزة الرقابة التي تعتبر قراءة
ديوان الشعر... جريمة موجهة ضد أمن الدولة.. ومؤامرة على النظام العام.
جناية
النقد.. الذكوري
-
هذا كلام متخلف جدا، لا يصدر إلا عن فكر ذكوري متحجر... يسعده أن تبقى المرأة
العربية دائما صماء... بكماء... ومشلولة الفكر.. والطموح.
ومثل
هذا الفكر الأناني، لا يكتفي بامتلاك الأرض وما عليها، وإنما يطمح إلى امتلاك
اللغة، والأبجدية، والشعر، والنثر، والبديع، والبيان، والكتابة، والحبر، والورق،
" والصحافة، والثقافة.
إذا
كان بعض الرجال لا يزالون يفكرون بهذه الطريقة. إذن فعلى الدنيا السلام....!
-
هذا كلام عتيق جدا، قاله الأستاذ عباس محمود العقاد عن شعر نزار قباني قبل خمسين
عاما.. وأعتقد أن نزار بعد هزيمة حزيران 1967 تخلى عن إمبراطوريته النسائية...
وأصبح مجندا في جيش التحرير الشعبي...
إن
الذين يقرأون شعر ونثر نزار قباني اليوم، يعرفون أن الرجل سلم جميع المفاتيح
النسائية التي كانت في جيبه... واستأجر غرفة مفروشة في فندق الوطن.
-
لا شك أن الزلزال الذي ضرب وطننا الصغير، كان زلزالا رهيبا، ولكنني لا أرى فائدة
من البقاء طوال حياتنا جالسين فوق ركام الزلزال نبكي... ونستبكي على الأطلال.
إن
عقدة الغزو يجب ألا تبقى مستحكمة فينا إلى أبد الآبدين، بحيث نبقى طوال الليل
والنهار، مذعورين، وشاحبين، وخائفين من خيالنا.
كل
أمة في التاريخ مرت بأهوال وشدائد، ولكنها تجاوزتها، وانتصرت على موتها،
واليابان وألمانيا هما نموذجان فريدان لتجاوز الخراب.
ونحن
مطالبون أن نستفيد من تجربتنا، ومن أخطائنا، ونعمل على أن نكون مستنفرين،
وجاهزين، وأقوياء.
وإذا
كان النظام العراقي قد أساء إلينا، فليس من المعقول أن نكره الدنيا كلها، ونعيش
في عزلة عن العالم.
لا
بد إذن من عودة الكويت إلى هدوئها، وطبيعتها الخيرة، ومنطقها القومي النقي بعيدا
عن أشباح الماضي وكوابيسه.
ما
بعد الزلزال
-
يمكنهم أن يخرجوا منه، بالتخلي عن غرائزهم، ونرجسيتهم، وشهواتهم الدنيوية
والسلطوية والزمنية.
ويمكنهم
أن يخرجوا من حفرتهم التي وقعوا فيها، بالعودة إلى مبدأ الشورى والديمقراطية،
واحترام إرادة شعوبهم.
إن
الإنسان في الوطن العربي هو أساس الخلاص مما نحمل فيه، فما لم يسترجع الإنسان
العربي صوته، وقدرته على التعبير، فإن عصور انحطاطنا لن يكون ها نهاية.
-
من (نبوءة شعرية) كانت حلما وصارت بالعزم والإرادة، ومعجزة الإيمان، حقيقة
واقعة.. رآها العالم بعينه:
(.. سيرحل المغول
عن كل شبر طاهر من أرضنا.. سيرحل المغول ويرجع البحر إلى مكانه..، ويرجع الشعب الكويتي إلى عنوانه..، وترجع الأمواج.. والشطآن.. والحقول وتشرق الشمس في كل بيت وترجع الكويت.. للكويت...) |
الأربعاء، 2 يناير 2013
د. سعاد الصباح.. في مجلة العربي (من الأرشيف)
الاشتراك في:
تعليقات الرسالة (Atom)
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق