الخميس، 27 أغسطس 2015

للأنثى قصيدتها .. وللرجل شهوة القتل - شعر: د. سعاد محمد الصباح




سيظلُّون ورائي


بالبواريدِ ورائي
والسّكاكين ِ ورائي
والمجلاَّت ِ الرّخيصاتِ ورائي..
فأنا أعرف ما عُقْدَتُهُمْ
وأنا أعرف ما مَوْقفُهُمْ
من كتاباتِ النَّساء..
غير أنّي..
ما تعودتُ بأن أنظرَ يوماً للوراء..
فأنا أعرفُ دربي جيداً
والصَّعاليك ـ على كثرتِهمْ ـ
لن يطالوا أبداً كعبَ حِذائي
لن ينالوا شعرةً واحدةً من كِبريائي
فلقد علَّمني الشِّعْرُ ، بأن أمشِي
ورأسي في السَّماء..
أطلقوا خلفي كلابَ النَّقدِ..
حتَّى يُرْعِبُوني..
سخَّروا أجهزة َ الإعلام ِ ضِدِّي
واستعانوا بالجنودِ الانكشاريّينَ
حتى يسكتِوني..
هكذا أوحَى لهم سيِّدُهُمْ
أن يصْلُبوني..
لا كِلابُ النَّقدِ يوماً ، قد أخافَتْني
ولا همْ خوَّفوني..
ليس في إمكانِهِمْ
أن يقمعوا صوتي..
ولاأن يَقْمَعُوني..
ليس في إمكانِهِمْ
أن يوقِفُوا برقي..
وإعصاري..
وأمطارَ جُنُوني..
أتحدّاهُمْ جميعاً
أتحدَّى كل َّ أنواع ِ السُّلالاتِ التي تحكمُنا
باسم ِ السَّماء..
أتحدَّى سارقي السّثلطةِ منْ شعبي
وتجّارَ العقاراتِ..
وتُجّارَ النِّساء..
أتحدَّى سارقي حرَّيّةِ الفكرِ،
ومن أفتوا بذبح ِ الشِّعرِ حيّا ً..
وبذبح ِ الشُّعَراء..
أتحدَّى..
كلَّ من يحترفُونَ السَّلبَ..والَّنهبَ..
ومن خانوا تراث الصحراءِ..
أتحدّاهم بشعري..
وبنثري..
وصراخي..
وانفجاراتِ دمائي..
أتحدَّى ألف فرعونَ على الأرض ،
وأنضمُّ لحزبِ الفقراء..

سيظلُّون ورائي..
بالإشاعاتِ ورائي
والأكاذيبِ ورائي
غير أنّي
ما تعوَّدتُ بأنْ أنظر يوماً للوراء
فلقد علَّمني الشَّعرُ بأن أمشي
ورأسي في السَّماء..

سعاد الصباح

الخميس، 20 أغسطس 2015

سعاد الصباح وورودها الغاضبة بقلم‏ : ‏فاروق شوشة



http://www.ahram.org.eg/Archive/2006/4/9/SSHWSHA.jpg
لم يعرف تاريخ الشعر العربي شاعرة بكت زوجها بعشرات القصائد كما فعلت الشاعرة الكويتية المقتحمة سعاد الصباح‏,‏ منذ رحيل زوجها عبد الله مبارك الصباح حتي اليوم‏,‏ وهي تهدي اليه ديوانها الجديد‏:‏والورود‏..‏ تعرف الغضب بهذه الكلمات‏:‏ الي رفيق البسمة والدمعة‏,‏ إلي صديق سنوات العمر الجميل‏,‏ الي أبي الروحي‏,‏ الي روح زوجي عبد الله مبارك الصباح في ذكراه التاسعة‏.‏

والذي صنعته سعاد الصباح هو‏-‏ أولا‏-‏ لمسة وفاء في زمن عز فيه الوفاء‏,‏ يكفي أن نتذكر كلمات ناظم حكمت الشاعر التركي العالمي‏:‏ إن موتي القرن العشرين لم يعودوا يشغلوننا لأكثر من عام‏.‏ ولكن الذكري التاسعة للرحيل لاتزال تفجر في وجدان الشاعرة ينابيع ثرة‏,‏ فياضة‏,‏ يتزايد مدها الجارف عاما بعد عام‏,‏ علي عكس ما يحدث لغيرها ممن يقلبون الصفحة سريعا‏,‏ ويعيشون يومهم‏,‏ بدلا من استدعاء الامس‏,‏ وكل أمس‏,‏ بكل ذكرياته وتجاربه وومضاته وعنفوانه‏.‏

والذي صنعته سعاد الصباح‏-‏ ثانيا‏-‏ أنها أضافت إلي مشروعها الشعري فضاء جديدا تلتمع فيه الدموع القصائد‏,‏ والقصائد الدموع‏,‏ وضيئة كحبات اللؤلؤة‏,‏ صافية مقطرة‏,‏ كل حبة منها وكل دمعة‏,‏ قطرة طل شعرية‏,‏ تفيض نداوتها من ثنايا لغة شفيفة رائقة آسرة‏,‏ وتنضح أوراق أغصانها شجنا وانعطافا واهتزاز وتر أسيان‏:‏

أعرف بين رجال العالم رجلا‏-‏ يشطر تاريخي نصفين‏-‏ أعرف رجلا يستعمرني‏-‏ ويحررني‏-‏ ويلملمني‏-‏ ويبعثرني‏-‏ ويخبئني بين يديه القادرتين‏.‏ اعرف بين رجال العالم رجلا‏-‏ يشبه آلهة الإغريق‏-‏ يلمع في عينيه البرق‏-‏ وتهطل من فمه الامطار‏-‏ أعرف رجلا‏-‏ حين يغني في أعماق الغابة‏-‏ تتبعه الاشجار ـ أعرف رجلا أسطوريا‏-‏ يخرج من معطفه القمح‏-‏ وتخضر الأعشاب‏-‏ يقرأ ما بين الاهداب‏-‏ ويقرأ ما تحت الاهداب‏-‏ ويسمع موسيقي العينين‏-‏ أمشي معه‏,‏ فوق الثلج‏,‏ وفوق النار‏-‏ أمشي معه‏,‏ رغم جنون الريح وقهقهة الإعصار‏-‏ أمشي معه مثل الأرنب‏-‏ لا أسأله أبدا‏..‏ أين؟أعرف رجلا يعرف مافي رحم الوردة‏,‏ من أزرار‏-‏ يعرف آلاف الاسرار‏-‏ يعرف تاريخ الانهار‏-‏ ويعرف أسماء الازهار‏-‏ ألقاه بكل محطات المترو‏-‏ وأراه بساحة كل قطار‏-‏ أعرف رجلا‏..‏ حيث ذهبت‏-‏ يلاحقني‏,‏ مثل الاقدار‏.‏ أعرف بين رجال العالم رجلا‏-‏ مر بعمري كالإسراء‏-‏ قد علمني لغة العشب‏-‏ ولغة الحب‏-‏ ولغة الماء‏-‏ كسر الزمن اليابس حولي‏-‏ غير ترتيب الاشياء‏,‏ أعرف رجلا‏-‏ أيقظ في أعماقي الانثي حين لجأت اليه‏-‏ وشجر في قلبي الصحراء‏.‏

هذا الشعر هو السهل الممتنع‏,‏ يظن الجاهل أنه يمكنه ان يأتي بمثله‏,‏ لكنه أبدا لا يستطيع‏,‏ لان وراء هذه السهولة‏,‏ وهذه السلاسة‏,‏ وهذا التدفق‏,‏ رحلة معاناة طويلة مع الكلمة حتي لانت وأصبحت طيعة‏,‏ ورحلة شعرية حافلة بالتجريب والمغامرة‏,‏ تنطلق من أفق الي أفق‏,‏ ومن مدي الي مدي‏,‏ ومن فضاء الي فضاء‏,‏ زادها روح مفعمة بالكبرياء‏,‏ ويعصمها من الزلل حساسية شعرية مرهفة‏,‏ تميز بين الشعري واللا شعري‏,‏ وتعرف المشي بخطوات واثقة علي البرزخ الفاصل بين تخوم النثر وتخوم الشعر‏,‏ وتؤكد في كل مرحلة من مراحل ابداع هذه الرحلة‏,‏ أن توهجها يتصاعد‏,‏ ودورها المسئول‏-‏ في عزفها المنفرد علي ربابة كويتية‏-‏ لايزال ينتظر منها المزيد‏,‏ وهي تهتف في ختام ديوانها الجديد‏:‏ أريد ان أفجر الوقت الي شظايا‏-‏ أريد ان استرجع العمر الذي‏-‏ خبأته في داخل المرايا‏-‏ أريد أن أصرخ‏-‏ أن ألعن‏-‏ ان احتج‏-‏ أن أقتل تاريخا من العطور‏,‏ والبخور‏,‏ والسبايا‏-‏ أريد ان أهرب من رطوبة الحريم والتكايا‏-‏ أريد ان أهرب ممن حللوا دمايا‏.‏

هذه شاعرة تصنع‏-‏ ثالثا‏-‏ صورة مغايرة للمرأة الشاعرة‏,‏ تحمل قدرها علي كفيها‏,‏ وهي تعلم علي أية أشواك تمشي‏.‏ وتعرض نفسها لآلاف السهام التي لا يؤمن أصحابها بدور الشاعرة المتمردة الغاضبة‏,‏ ولا بحقها في البوح حينا‏,‏ والصهيل أحيانا أخري‏:‏ أريد أن أصادق الريح وأن أعانق الغيوم‏-‏ أريد أن أقتحم الشمس وأن أسرق آلافا من النجوم‏-‏ أريد أن أحرض الاشجار كي تمشي‏-‏ والغابات كي تركض‏-‏ والجبال كي تقوم‏.‏ أريد ان أقول كل لحظة‏,‏ فمن فمي‏-‏ حين أقول‏-‏ تطلع الكروم‏.‏

وسعاد الصباح‏-‏ رابعا‏-‏ شاعرة لم تخرج من جلد قبيلتها وخليجيتها وواقعها‏,‏ هي بنت هذا كله وشاهدة عليه‏,‏ ومتجاوزة له بالوعي والانفتاح والرفض والتمرد‏,‏ وتكتب ما تكتبه عن وعي بلغة الشعر وجمالياته وكيميائه وعناصره الفنية‏.‏ باحثة طيلة الوقت‏-‏ وبعد صوتها المسكوب في العديد من دواوينها المتلاحقة‏-‏ عمن يفهمها‏:‏ أريد من يفهمني‏-‏ كي أكتب الشعر‏-‏ وكي أخترع الاشياء في الكلام‏-‏ وكي أري‏-‏ حين أنام‏-‏ أجمل الاحلام‏-‏ أريد من يشدني من يدي‏-‏ يوما‏,‏ ويرميني علي ضفائر الغمام‏.‏

 ‏فاروق شوشة
الاهرام

43588‏السنة 130-العدد2006ابريل9‏11 من ربيع الأول 1427 هـالأحد