الأربعاء، 18 يناير 2017

عصفوري الجميل

 1

أهرب إليك كلما لفني الضياع يا عصفوري الجميل . .
يا الذي يغرد على أغصان فكري
يا من ينسج من أهدابي
عشا لينام فيه
ومن شراييني يشرب
وعلى أحداق عيني يتمرى
أحمل أفراحك معي وأزرعها
نجمات مضيئة في شعر العالم
وأحمل احزانك في داخلي
واقفة كالزوبعة
في وجه بقعة الزيت أطردها
من شطآنك . .
التي ما زالت تحمل رسومات أقدامي الصغيرة . .

  


 2
وما زالت آثار قصوري الرملية على صدرك
وحروف اسمي محفورة على صفحة وجهك .  .
* * *

3

وما زلت أشتاق للنوم طفلة على رمالك . .
كلما ضربتني عواصف الأحزان !
أهرب لأغسل همومي في مياه بحرك الصافية الزرقاء
وأركض باتجاهك كلما لفني الضياع
وكلما أبكتني الغربة
وكلما هاجرت بعيداً عنك
فأنت وطني . .
وطن الأوطان وعاصمة العواصم

وملتقى الأزمان !

سعاد الصباح
1983

الاثنين، 16 يناير 2017

في افتتاح مكتبة عبدالله المبارك - القاهرة 1995


في افتتاح مكتبة عبدالله المبارك
كلية الاقتصاد والعلوم السياسية
جامعة القاهرة – 1995
كانت مصر حبة عين الشيخ عبدالله المبارك الصباح، وكان نيلها يروي نفسه، ويجري في عروقه دماً عربياً يجعله عاشقاً حقيقياً لمصر التي أحب، والتي انزرعت في خاطره كنخلة عميقة الجذور، فكان يعبر عن إكباره لمصر وحبه لمصر بالإقامة فيها السنوات الطوال، والعودة إليها مهما امتد الغياب.
ولم يكن زوجي وصديقي الشيخ عبدالله المبارك وحيداً في ذلك فقد ترافقنا في كل الخطوات والمشاعر، ومنها كانت رفقتنا في حب مصر، وتاريخ مصر، وشعب مصر وسماء مصر وتراب مصر.
في هذه الدار وتحت قبة هذا المقام المهيب تتلمذت ودرست فكان لكم الفضل في تأهلي للانتقال إلى الدراسات العليا ودخول معترك الحياة بالعلم وبالقيم السامية التي تعلمت على مقاعد هذه الكلية، وعلى يد نخبة كريمة من أساتذتها.
وفاء لوفاء عبدالله المبارك الصباح لمصر، ووفاء لوفائي لمصر، وحباً بمصر أسعدني تبني هذا المشروع العلمي الجليل، والذي يحمل اسم الرجل الذي رافقته في مشوار حبنا المشترك لهذه الأرض الطيبة التي يدخلها المؤمن بسلام آمنا، ويقيم فيها آمنا فيصلي معي إلى الله، أن يديم عليها نعمة عاشقيها بالحب، ونعمة الأمن والأمان، إنه السميع القدير المجيب..



كلمة د. سعاد الصباح في معرض الكتاب - القاهرة 2004


إن قراءة الشعر في مصر توقع الشاعر في تناقض مع نفسه، ومع الشعر، ذلك لأن مصر، من حيث التشكيل الثقافي والجمالي، هي خلاصة الشعر، فأي ورطة يقع فيها الشاعر حين يحاول أن يحمل إلى نهر النيل قطرة ماء.. وإلى أرض مصر الحبلى بملايين القصائد... قصيدة جديدة.
ثم إن مصر في مطلع الستينيات كانت ينبوعي الثقافي الأول الذي شربت منه حتى ارتويت، فعلى أرضها الطيبة نبت ريشي، وكبرت أجنحتي، وأورقت حنجرتي... وولدت قصائدي الأولى، وعلى تراب مصر بين الجيزة ومصر الجديدة وجاردن سيتي حبوت وركضت وترعرعت جسدياً وفكرياً، وأعطاني أساتذتي الأجلاء، في جامعة القاهرة مفاتيح المستقبل.
إذن فمصر هي الصدر الذي أسندت رأسي إليه، ورضعت منه حليب المعرفة، وغذاء الفكر.
فإذا عدت إلى مصر اليوم لأقرأ شعري، فلأن العصافير مهما ابتعدت عن أشجار طفولتها، فلا بد لها أن تعود إلى ملاعب صباها، ولأن القصائد مهما هاجرت، فلا بد لها من العودة إلى وطنها الأول.
وإذا كنتُ قد تكونت على يد مصر ثقافياً، فقد تكونت على يدها قومياً أيضاً، فأنا من الجيل الذي شهد العصر الذهبي للمد الوحدوي العربي، كما شهد أروع وأعظم معاركنا القومية.
نعم، أنا امرأة من جيل الأحلام الكبرى، والتحولات الكبرى، امرأة عاشت التاريخ العربي وهو في ذروة كبريائه وقمة تحدياته.. وكانت مصر يومئذ وردة العالم العربي، ونشيده وسيفه.
في الخمسينات كان قلبي مجنوناً من الفرح، ومشتعلاً كشمس أفريقية، ومسكوناً بالزلازل والأعاصير، وكنت أنام وأصحو على نشيد (اللّه أكبر) (واللّه زمان يا سلاحي) فتتساقط الدموع من أهداب قلبي.
في تلك الأيام العظيمة، كنا نقتطف الحلم من شجر المستحيل، ونكتب الشعر على بوابات السماء، ونحلم بالإمبراطورية العربية الكبرى التي لا تغيب عنها الشمس.
كانت طموحاتنا أكبر من مساحة الشمس، فصارت أصغر من مساحة قرص الفاليوم، كان الوطن في عيوننا لا نهائياً كالبحر، وصار الوطن في هذه الأيام ضيقاً كالزنزانة، كنا نأكل رغيفنا اليومي من القمح الخالص، فصرنا نأكله معجوناً بالإرهاب الخالص، والدمع الخالص.
في هذا الزمن العربي الذي لا يوجد وصف له يأتي دور الشعر ليعيد إلى النفس العربية أصالتها، ويعيد إلى النفس العربية مصداقيتها، ويعيد للإنسان العربي إيمانه بأن شمس الحرية لن تنطفئ، وأشجار الأمل لن تيبس.










الرسالة.. مؤسسة لا مجلة * بقلم: د. سعاد محمد الصباح


الرسالة.. مؤسسة لا مجلة *
عندما طُرِحت عليّ فكرة الإسهام في مشروع إعادة طبع مجلة (الرسالة) التي كان قد أصدرها المرحوم الأستاذ أحمد حسن الزيات في القاهرة بين عام ١٩٣٣ وعام ١٩٥٣ لم أتردّد لحظة واحدة في القبول.
مجلة الرسالة ليست كأية مجلة أدبية ظهرت في العالم العربي، ولكنها مؤسسة ثقافية كبرى لا تقلّ من حيث الأهميّة والتأثير عن منظمة اليونسكو، وجامعة الأزهر، وكامبريدج، وهارفارد، والأكاديمية الفرنسية.
إنّها تراث بكلّ ما تحمله كلمة التراث من أصولية، ومنهجية، وارتباط بالأرض والتزام بالقيم الفكرية الكبرى.
لقد غطّت مجلة (الرسالة) الخريطة الثقافية للعالم العربي تغطية شاملة على مدى عشرين عاماً، وكانت المدرسة التي تخرّج فيها أعلام الأدب والشعر والنّقد في مصر والعالم العربي، فمن ظهر اسمه على صفحاتها، كان من المبشَّرين بالدخول إلى جنة المشاهير في عالم الأدب، ومن لم يُنشر اسمه، بقي خارج أسوار تلك الجنة.
والذين عاصروا مجلة (الرسالة) في عصرها الذهبي، يُجمعون على القول إن المثقفين العرب كانوا يعتبرون اليوم الذي تصدر فيه (الرسالة) يوم عيد حقيقي، ويتخاطفونها عند وصولها إلى المكتبات كرغيف الخبز الساخن، لأن الذي لم يكن يقرأ (الرسالة)، لم يكن معتبراً في عِداد المثقفين وأهل المعرفة.
إذن فإعادة الحياة إلى (الرسالة) هي إعادة الحياة إلى حقبة من أجمل الحقب في تاريخنا الأدبي، أعطت فيها الأرض العربية قمماً شامخة في عالم الفكر والإبداع، وتلاقت جميعاً على أرض مجلة (الرسالة).
ولأنّ الجيل الجديد، لا يعي الدور التثقيفي الخطير الذي لعبته مجلة (الرسالة) في تكوين العقل العربي، وفي صياغة الذوق الأدبي، والإحساس الجمالي في فترة الثلاثينيات، والأربعينيات، ومطلع الخمسينيات، فإن إيقاظ اسم (الرسالة) في ذاكرة الأجيال الجديدة، لا يعتبر عملاً ثقافياً فحسب، وإنّما يعتبر عملاً قومياً وحضارياً وثورياً من الطراز الأول. فالثقافة والمعرفة والفكر لا تنفصل أبداً عن حركة التاريخ ومقومات الأرض، وطموحات الثورة.
ومن هذا المنظور الثقافي والقومي معاً انطلقنا في مشروعنا بإشراف الزميل الباحث د.محمد يوسف نجم الأستاذ في الجامعة الأمريكية في بيروت، آملين أن نكون قد حافظنا على أشجار هذا البستان الثقافي اليانع، والله من وراء القصد.
د.سعاد محمد الصباح
* (مقدمة طبعة الرسالة التي أصدرتها دار سعاد الصباح في ٤٠ مجلداً عام ١٩٨٥).