الأربعاء، 3 يونيو 2020

سعاد الصباح.. الكتابة بالألوان بقلم: عبدالستار ناجي

لوحاتها تمتلك لغة خاصة عامرة بالظلال والخصوصية والحس والنبض

سعاد الصباح.. الكتابة بالألوان



الذهاب الى الشيخة الدكتورة سعاد الصباح. يعني الذهاب الى منطقة ثرية بالابعاد والمضامين. والبصمات الابداعية التي راحت تصدح بالمفردة حيث مقدرتها الفائقة في الذهاب بعيدا على صهوة الحرف. وهي في الحين ذاته تمتلك مقدرة ابداعية رفيعة المستوى للتعاطي مع اللون حيث المقدرة للتحليق في فضاءات اللون والدلالات والمضامين والظلال والابعاد.
والحديث عن الجانب التشكيلي عند الشيخة الدكتورة سعاد الصباح يظل يتحرك وبخط متوازٍ مع ابداعاتها وانجازاتها في عالم الحرف والكلمة حيث الشموخ العالي والمضامين التي راحت تصدح بها من اجل معشوقة كبرى هي الكويت بالاضافة لكم آخر من القضايا والمحطات.
ونعود للون والريشة وتلك اللمسات الموشاة بكل مضامين التعابير عبر اللون تارة والظلال تارات اخرى.
والمتأمل لنتاجات الشيخة الدكتورة سعاد الصباح من لوحات بالذات خلال المرحلة الاولى من مسيرتها في هذا الفضاء يلاحظ العلاقة مع الطبيعة. اذ مرت الشيخة سعاد بمجموعة من الظروف جعلتها تتنقل بين الكويت واوروبا ولندن على وجه الخصوص حيث كانت تعيش بمنزلها هناك وسط الطبيعة وتحيط بها الاشجار والزهور..
وتأتي المرحلة الاهم. بالذات بعد وفاة زوجها المغفور له الشيخ عبدالله المبارك الصباح. يومها لجأت الشيخة الدكتورة سعاد الصباح للعيش في الخارج وبين احضان الطبيعة.. وخلال وقت فراغها احست بالرغبة الشديدة لتجاوز الم الفقدان لشخصية هي الاهم في حياتها ومسيرتها حيث كان رحمه الله الزوج والاخ والاب والصديق وكل المعاني والقيم الكبري.. عندها راحت تبحث عن فضاء آخر يتجاوز حدود الحرف والمفردة.. وهذه المرة امسكت الفرشاة وراحت تعبر عن مشاعرها واحاسيسها من خلال اللون.
وحينما نعود لاكثر من عشرة اعوام تقريبا. نجدها قد اصدرت روزنامة تقويم. يومها حولت اشعارها الى لغة ابداعية اضافية جديدة. حيث التلقائية العالية. وتجسدت في تلك الاعمال التي ضمتها روزنامة اثار المكان والزمان واحضان الطبيعة التي ذهبت اليها للابتعاد عن الم الفراق والرحيل لرجل هو كل الرجال ولقامة شامخة هو العز والهيبة واختصار كل المعاني والمفردات..
الطبيعة كانت المعلم الاول. لكل فنان حقيقي كما هي تجارب التأثيريين مثل مانية ومونية وغيرهما.
لقد كانوا يعيشون في الطبيعة. ونقلوا باعمالهم الطبيعة. وهي اعمال مباشرة عن الطبيعة. الا ان الدكتورة سعاد الصباح لم تنقل الطبيعة بشكل مباشر وانما بثقافتها وتاريخها الطويل وايضا اطلاعها على الكثير من المعارض والفنون البصرية والتشكيلية منها على وجه الخصوص. وهنا نستطيع التأكيد بانها قامت بنقل اللغة الكلمية والسمعية الى فنون بصرية.
الراصد المتابع المتأمل للنسبة الاكبر من لوحات الشيخة الدكتورة سعاد الصباح يلاحظ تأثرها الكبير باعمال الفنان التشكيلي الاميركي جاكسون بولوك ونشير هنا الى انها متأثرة وليست ناقلة. بل أستطيع التأكيد ان النقل غير وارد بينما التأثير بالمنهج هو الحاضر..وهو ما يشكل عنصرا اضافيا في تجربتها التشكيلية العامرة بالثراء والخصوصية والعمق. والدافع لبلوغ ابعاد ومناطق متجددة في هذا الفن الرفيع.
في تجربتها التشكيلية تذهب الشيخة الدكتورة سعاد الصباح الى الطبيعة بالوانها حيث تأثرها بالطبيعة خاصة الزهور بالوانها حيث تظل الزهور بتنوعها وتعددها واشكالها والوانها حاضرة نابضة بالحياة والتجديد.
ومن بين اعمالها لوحات كبيرة وبعضها اكبر من مترين ونصف المتر. بل ان بعضها متران ونصف المتر في مترين وهو ما يتطلب جهدا مضاعفا واشتغالا مركزا من اجل استيعاب هذه اللوحة بألوانها ومضامينها ودلالاتها وظلالها.. وقد ظل هذا الاسلوب حاضرا في مسيرتها في الجانب التشكيلي فترة طويلة تميزت بكثافة النتاجات واللوحات.
في تلك المرحلة كانت الشيخة الدكتورة سعاد الصباح تستحضر البيئة في لوحاتها مثل الاشجار.. وساحل البحيرة.. والزهور..والغيوم.. وفي جميع اعمالها هي بعيدة عن الكاميرا الفوتوغرافية بل تعمل على وضع لمساتها الخاصة وايضا التكنيك الخاص الذي يعكس عمق ثقافتها وعزارة مشاهداتها.
وتمضي الايام.. لتتجاوز جوانب من الم الفراق عبر انشغالها بالشعر والتشكيل وايضا الاهتمام بالاسرة والابناء والاحفاد الذين راح كل منهم من جانبه يشجعها ويحفزها لمزيد من العطاء في هذا الجانب او ذاك بالذات الفنون التشكيلية. مما دفعها الى تأسيس مرسم خاص بها في القصر الابيض او حتى منزلها في لندن. بل ان عددا من احفادها راح يمارس الرسم وكانت تقف الى جوارهم تساعدهم حيث راح الكل يتأثر بالكل ونلمس وبوضوح تأثرها بالاعمال التلقائية مثل تجارب الاطفال والاحفاد.. ونلمس الفرق الشاسع بين تجربتها وتجارب احفادها ان الاحفاد كانوا ينقلون التجربة على مساحات صغيرة بينما كانت الشيخة الدكتورة سعاد الصباح تتعامل مع التجربة على لوحات اكبر وبصمتها اكثر وضوحا بل ومختلفة عن الاخرين وباحاسيس عالية وفهم للتجربة التشكيلية التي تتعامل معها.
راحت الشيخة الدكتورة سعاد الصباح تنتقل من مرحلة الى مرحلة بكثير من السهولة والعفوية وايضا الاحترافية وحافظت في جملة تلك النقلات على بصمتها في كل مرحلة من تلك المراحل التي تميزت بالغزارة والعمق.
ونتوقف عند الاحساس في الاعمال التي قدمتها د.سعاد الصباح. حيث تمتلك الاحساس العالي بالكلمة وبالتالي على اللغة اللونية التي تذهب اليها وضربات فرشاتها.. وعلى مدى ربع قرن من الزمان من التعامل مع الفن التشكيلي تحول هذا الاحساس العالي بالكلمة والشعر والمضامين من الكتابة الى الألوان فبدأت ترسم انغاما لونية في مساحات اكبر من صفحات الورق الى مساحات الخام الذي راحت ترسم عليه.. وتمنح تلك اللوحات لغة لونية خاصة عامرة بالالوان والظلال والخصوصية العالية من الحس والنبض. منح الفن التشكيلي الشيخة الدكتورة سعاد الصباح فضاء اضافيا تمتطي صهوته للتحليق بعيدا والمضي الى عوالم اخرى في خط متوازٍ وثري. في رصيد الشيخة الدكتورة سعاد الصباح اكثر من 400 لوحة ولربما اكثر من ذلك. حتى ان مرسمها في القصر الابيض ازدحم باللوحات التي تمثل مراحل متعددة من مسيرتها ومشوارها مع الفن التشكيلي. وامام هذا الكم من البصمات والانجازات تأتي الدعوة لمنح الفرصة لتلك الاعمال للوصول الى جمهورها وعشاق اعمالها سواء على صعيد الحرف او اللون.
وعلى صعيد متوازٍ نشير الى ان الشيخة الدكتورة سعاد الصباح مهتمة بجمع واقتناء الكثير من اللوحات التشكيلية من الفنانين من انحاء العالم وبالذات الفنانين العرب والكويتيين من جيل الرواد او الجيل الثاني. ومثل هذا الرصيد الضخم والمتميز من اللوحات المقتناة لاجيال الفنانين التشكيليين يجعلها تمتلك متحفا ضخما يرصد جوانب متعددة من مسيرة الفنان والكثير من الفنانين التشكيليين في العالم العربي بشكل خاص. هذه الاجواء التي تحيط بالشيخة الدكتورة سعاد الصباح. حيث الحرف في شموخه والكلمة في بهائها واللون في اشراقاته والظلال في تجلياتها والدلالات والمضامين تشهق عاليا ليصدح الفن القا وتوهجا.. هكذا هي سيدة الحرف واللون.. الشيخة الدكتورة سعاد الصباح.
المصادر
حوار مطول مع الفنان عبدالرسول سلمان
مجلة الجمعية الكويتية للفنون التشكيلية
جريدة النهار الكويتية
وكالة الانباء الكويتية كونا
ويكيبيديا
الأعمال الشعرية للشيخة الدكتورة سعاد الصباح

قراءة في التجربة التشكيلية للدكتورة الشاعرة سعاد الصباح

سعاد الصباح تخلع عباءة الشعر وترتدي عباءة الفن التشكيلي
نشر في أوتار يوم 13 - 07 - 2010

خذلتها صرخة الكلمة والأمة فقررت الثورة مع اللون رسوماتها
مسالمة تبحث عن بقعة ضوء الأبيض والأزرق والصحراء
ترافق الفنانة في خطواتها مشهدها الطبيعة ومكتبها وزهورها الخاصة
خطوطها متناغمة ومنظورها يحتاج إلى إعادة نظر!
لا تخاف من استخدام اللون وتتعامل معه بجرأة
لوحاتها تسعى وبتهذيب إلى تنبيهنا للجمال والمحبة
لها في محراب الشعر وقفات من قضايا الأمة وإنسانها...ولها في التسامح الإنساني مجدها وقلقها وقلبها وطفولتها...ولها في عروبتها ميثاق شرف اسمه الدم الواحد واللغة...ولها في الحب رسائل من حرير العاطفة وكبرياء المرأة...
ولها في الاقتصاد مسؤولية سياسية واجتماعية تجعلها تصرخ بالأرقام من أجل تصحيح الخلل...ولها في المرأة نصف المجتمع صفعات وثورة ضد المرأة من أجل أن تعود إلى رشدها...ولها مع الرجل حكاية عمرها من عمر الزمن كي يعترف بنصفه الآخر بعيداً عن كونه الديك...
هذه المرأة... تدعى سعاد الصباح.شاعرة وكاتبة واقتصادية من الكويت.ثائرة على قبيلة لا تريد للمرأة أي دور.
ركبت دموع التعب، وأصرت أن تطير مع الشعر بكل أنواعه ومخاطره وعواقبه، وحققت فيه ما يخدم مسيرتها الذاتية ، وحكايةتعرف اسرارها وخباياها.
ليست امرأة دمية بقدر ما هي أنثى تعرف دورها وحدودها وقوتها وضعفها.
هذه الشاعرة الحالمة خذلتها الكلمة عند العرب، ورغم ذلك لم تخذل الشعر، رافقته منذ البداية,وحتى البرهة إلا أن صدى الكلمة لم يعد يصل إلى مسامع "العربان" فقررت أن تخلع عباءة الشعر لترتاح من كبرياء الصور الوجدانية المتخمة بالسياسة, وترتدي عباءة الفن التشكيلي كي تصور أحاسيس طفولتها، وجمال روحها بعد هذه الهزائم الاجتماعية والسياسية التي تتعرض لها أمتها, وقوميتها, وأرضها.
ارتدت سعاد الصباح عباءة التشكيل بغية أن تعي براءة الطفولة إلى من تناساها في زحمة الهرولة إلى الكبر والهزيمة.
لوثت أصابع يدها بأصباغ مركبة لتقدم جمالية المشهد على ورقة, أو قماشة فتسعد بصرنا الذي تعود في هذا الزمن ألا يرى غيرالقباحة.أرادت في النقلة النوعية الجديدة في لغة الحوار الفكري أن تعيدنا إلى طفولة حالمة, وإلى حلم جميل، ربما لا تقصد أن ترسم خيالنا داخل سراب الحقيقة كما فعل الرحابنة حينما رسموا الوطن بجمال غير موجود , وشيطنة, وحلم، وبذلك لم يرتكب أحدهم المحرمات بل ارتكبوا جريمة الإبداع.