الأربعاء، 13 أغسطس 2014

مهرجان سعاد الصباح للطفل الخليجي المبدع.. شروط المشاركة

في إطار سعيها الدائم لتشجيع الابداع والمبدعين خصصت د. سعاد محمد الصباح جائزة لاطفال الخليج المبدعين في مجال الفن التشكيلي، حيث تقوم على هذه الجائزة الجمعية الكويتية للفنون التشكيلية



 سينطلق المهرجان خلال الربع الأول من العام 215 ، وسيتمن مهرجان سعاد الصباح للأطفال الخليج 2015 توزيع جوائز د. سعاد الصباح للأعمال المتميزة .

ضمن الشروط التالية :-

1.    يحق اشتراك الأطفال من ( 6 – 16 سنة ) .
2.    تقبل جميع الأعمال الفنية بمختلف مدارسها و أساليبها .
3.    يحق للطفل الاشتراك بعملين كحد أقصى .
4.    يحق للطفل استخدام المواد والموضوعات التي يراها مناسبة .
5.    يجب تقديم بيانات عن طفل ( الاسم – تاريخ الميلاد – الهاتف – صورة شخصية حديثة – الدولة ) .
6.    تمنح ( 12 ) جائزة مالية باسم د. سعاد الصباح للأعمال المتميزة من ( 6 - 16 ) .
7.    تمنح شهادات تقديرية لجميع الأطفال المشاركين .
8.    يحق للجنة التحكيم إبعاد الأعمال التي تراها لا تنتمي إلى رسومات الأطفال .
9.    تستضيف الجمعية الأطفال الفائزين من دول مجلس التعاون العربي لمدة 5 أيام لحضور حفل الافتتاح واستلام الجوائز مع مرافق .
10.    الأعمال الفائزة تكون ملك للمهرجان لتمثيل دول الخليج في المحافل الدولية .
11.    آخر موعد لإرسال الأعمال يوم الخميس 30اكتوبر 2014 على العنوان التالي :
حولي – شارع بيروت – خلف كلية الدراسات التجارية بنين ومقابل محكمة حولي  للاستفسار : 22611863-22210584 . الإيميل : asalman46@hotmail.com



دمعة.. غير قابلة للترجمة*




في عالم القرية الصغيرة
أصبحت البيوت بلا أبواب.. والأقمار بلا أسرار..
وهذه فرصة مواتية للشاعر لكي يدس همساته - عن قرب - في كل قلب..
فما أجمل أن تكون شاعرا في زمن الاحتلال التكنولوجي
وما أروع أن تكتب الأحاسيس في وقت توقف فيه قلب العالم عن النبض، حتى انتهى زمن الحنين..
آه.. ما أحلى أن تكون وردة في صحراء.. ينتقل شذاها بكل لغة.. ويعرف معناها كل حبيب.
لكن الشعر دوما يحتاج إلى نحلة تنقل رحيقه من مكان إلى مكان..
ولايقوم بهذه المهمة سوى المترجم المتمكن.
ومع كل فعل ترجمة.. أسأل نفسي: إذا كانت المترجم يلغي لغتك، وتراكيبك، ويحملك إلى قراء آخرين.. ماالذي يبقى منك؟ وماهو الشيء الذي يستطيع نقله؟
بالتأكيد.. أن مايبقى هو ذلك الإحساس الحميم..
الترجمة إذن ماهي إلا نقل إحساس من لغة إلى لغة..
أما المتلقي فيعرف جيدا أن الدمعة التي سكبها الشاعر على الورق تستعصي على الترجمة.. ومافعله المترجم ليس  أكثر من استجلاء النص.. وكشف خباياه الحسية للقارئ.. ليكون الصراخ بأكثر من لغة.. وليكون الحب بألف شكل ولون.
الترجمة إذن فعل رائع وعظيم.. وكل مترجم يعمل عمل النحلة بين أزاهير الشعراء ليؤسس لتلاقح ثقافي عالمي..
يكون لأمانة المترجم فيها شأن عظيم.. من حيث أن مثل هذا العمل هو حالة أدبية خاصة.. في سياق أدبيخاص.
فالمترجم ليس ناقلا بقدر ما هو شريك في الإبداع..
فعندما يتوغل في أحاسيس النص.. يكون قد خطى الخطوة الأولى في التماهي مع النتاج الإبداعي
وعندما يشرع في تحويل الأدب من لسان إلى لسان آخر يكون قد فرد جناحا مواجها لجناح المبدع.. ليتحقق الطيران العذب..
 ولأن التطويع أشبه بفعل خيانة.. في الوقت الذي تعد الترجمة فعل أمانة مثلما هي فعل إبداع.. فلايحسن للمترجم أن يقوم بتطويع النص على حسب اللغة المنقولة لها.. غنه بذلك يغتصب المعنى، ويكسر خصوصيته..
إن المترجم أمين على الهجرة التي تقوم بها الأحاسيس من اللغة المنقول منها إلى اللغة والمترجم إليها
وعندما تتم ترجمة بعض أعمالي بين آن وآخر أتذكر أنني من أمة كان لها سبق اقتحام عالم الترجمة منذ قرون طويلة.. حيث كانت منهلا ونبعا للعلم.. نشطت منها فهب إليها المترجمون من كل صوب يشروب من لغة العرب العذبة الحية العميقة المعاصرة لكل زمن والمناسبة لكل علم..
وقد ظل الرحم العربي يلد المبدعين
وبقيت الروح العربية العربية تفتح نوافذها على العالم..
 وأصر المبدع العربي أن يشرع قلبه للآخر عندما عرف  أن الحكمة هي ضالة المؤمن.. فسعى إليها بإيمان، وحب، وإخلاص.. فالعالم الحقيقي هو الذي لايحتكر العلم.. وقد كان علماء العرب أنموذجا فريدا للإيمان بالعصر يحملون لغة حية قادرة على التعبير.. فنشطت الترجمة وتحفز العلماء للنقل والتنقيح والتحقيق..
لقد أنشأ علماء العرب على مدى 12 قرنا الجسر الأول بين مشرق الأرض ومغربها..  وفي هذا العالم ولدت الشمس.. فكان نورها يتغلغل في العقول المتفتحة التي آمنت بالانتفاح على الآخر واستلهام كل العطاءات الإنسانية في نسق واحد.. متجهة إلى هدف واحد هو تعريف الإنسان بنفسه وتحريره من جهله.

ومن منطلق إيماني بأن المبدعين هم حراس القيم.. وقادة تحرير الإنسان.. اخترت أن أكون صوتا للحرية.. في كل الظروف وفي كل الأمكنة.

ذلك أنني لم اكتب لأقرأ نفسي.. بل كتبت ليقرأني العالم.. وعندما يقرأني فإنه حتما  سيسمع في صوت سعاد الصباح آلاف الأصوات
صوت نساء صرخت بالنيابة عنهن
وحنين عاشقات عبرت بالأصالة عن قلوبهن
وبكاء مقهورين.. طالبت بحقوقهم..
وحزن مظلومين.. كتبت باسم أحزانهم
أما الطغاة فلم أكن لهم صوتا في يوم.. بل كنت سوطا يجلدهم.. فهم الوحيدون الذين كانوا لايحبون صوتي
فلم يكرهني إلا طاغية.. ولم يحاربني إلا عدو للحريّة..
كنت منذ البدء أقف في خطوط الجبهة الأولى، وفي خط المواجهة الأول.. وعندما أصدرت ديواني (في البدء كانت الأنثى).. كنت أتعامل مع الكلمة على أنها أنثى، والقصيدة أنثى.. والشمس أنثى (وليس التذكير فخر للهلال).. كما قال منشد الدهر أبوالطيب المتنبي..
وللشعر تحديدا خصوصية شديدة عندما يتعرض للترجمة.. لأنه يقف وجها لوجه أمام اختبار البقاء حيا كما هو، ففي الشعر ليس المطلوب من المترجم نقل المعاني.. فتلك مهمة العلوم التطبيقية..
في الشعر هناك معان ظاهرة وأخرى باطنة.. ولأن نار الشاعر لاتنطفى أبدا.. هناك دائما جمر حي تحت الرماد..
وبقدر إخلاصي للكتابة وللكتاب كنت دائما أعتقد أن الكتاب والإنسان... هما كائنان يتشابهان تشابهاً عظيماً في بنيتهما، وتشكيلهما ووظائفهما البيولوجية، بل إنهما يتشابهان حتى في دورتهما الدموية، وجهازهما العصبي وجهازهما التنفسي.
وكما يمارس الإنسان رياضة المشي، وتسلق الجبال، والسباحة، والتزلج على الماء، والسفر... فإن للكتاب أيضاً هواياته في الإبحار في المجهول، والسفر حول العالم.

كان الكتاب قديساً يعلّم الحكمة وينشر المعرفة، ويخرج الناس من الظلمات إلى النور.. ولابد أن يظل كذلك..

بقي ان أقدم كل الشكر والامتنان لمن قام على مشروع الترجمة هذا.. وكم أنا محظوظة بفيض المحبة الذي غمروني به وكم أنا سعيدة باهتمامهم وتفهمهم.. وأشعر بسعادة تشبه سعادة نورس حلق فوق البحر بكل حيوية.. ثم انقض والتقط سمكة.. ثم حلق إلى الفضاء بنشوة الملوك..
وما الشعر سوى التقاط خاطف
أو برق مفاجيء يذهب من الروح إلى الروح..
وها أنا نورس كويتي يطير فوق الضفاف الكورية.. هذا البلد الرائع الذي أنتج روعته إنسان أخلص لثقافته وأتقن عمله..
وتقبلوا مني كل الحب..

د. سعاد الصباح


 * مقدمة كتبتها الدكتورة سعاد الصباح بمناسبة ترجمة عدد من أعمالها إلى اللغة الكورية
2012

الثلاثاء، 5 أغسطس 2014

مقدمات: تحية إلى رجل كبير بقلم: د سعاد الصباح



لو كانت الكتابة عن رجل ينحصر عطاؤه في ميدان واحد لكان ذلك هو الأمر الذي يسهل فيه القول وتنجو العبارة بمضمون يتفق والموصوف المراد تبيان إبداعه أو فضائله .
ولكن كيف يمكن لي أن أقدم لأسفارنا هذه، المخصصة لتكريم رائد من رواد الثقافة العربية، والمحتفى به متعدد العطاءات ومتنوع الاهتمامات، إلى حد يجعلني في حيـرة من الأمر كبيرة. كيف لا وصاحب السمو الملكي الأميــر عبد الله الفيصل سياسي حين تقارب تجربته في الشأن الإداري، ومن موقعه : الابن البكر للملك الكبير الشهيد فيصل بن عبد العزيز، تغمده الله بواسع رحمته.
والأمير عبد الله الفيصل حين تقترب من الشعر يطالعك بالقصيد حزيناً ومعبراً عن حرمان توجّته العفة وسورّته الطهارة،  فما كان حرمان العاجز لو شاء. لقد طرق الأمير المكرم أبواب الشعر على تعددها وصال فيها وجال شعراً عمودياً وشعراً شعبياً، ليعبر عن نفس توّاقه إلى بناء حلم الكلمات الجميلة، والنوازع البشرية السامية .
ولم يقتصر همه واهتمامه على السياسة والشعر، فها نحن نقف معه على بساط الرياضة الأخضر، وقد شغله فاهتم كثيراً بالسعي لخلق جيل من الرياضيين الذين ينتقلون بالقوة والجسارة إلى مرتبة التفاني في سبيل رفع الراية الخضراء عالية في كل منتدى: خليجياً أو عربياً كان أو عالمياً. وتشهد له في كل ما تقدم علامات يتركها على دروب العطاء لتميزّ إبداعه وما قدم ولتجعله الإنسان المتعدد الإنجازات والمتنوع الأصوات، مبدعاً في كل منها وحيث كان له الخيار.
عرفت الأمير عبد الله الفيصل منذ سنين طويلة، ومازالت صورته اليوم في نفسي كما كانت بالأمس: مشرق الابتسامة، متواضع الحديث عن النفس حتى لتحسبه عن سواه يقول الكلام ولا يتصنعه .



وإذا كان الناس تعرف عنه الكثير من العطاء شعراً ومبادرات إنسانية وثقافية ورياضية، فإن ما لا تعرفه هو الجزء الأكبر وهذه سمة النبيل: إذا أعطى تفانى وزاد في صمته تاركاً للزمن  وللتاريخ أن يدون اسمه في سجل الخلود . وها نحن هنا، مجموعة مختارة من أهله وأصدقائه ومريديه وعشاق إبداعاته على تنوعها، نقف أمام الرجل الكبير لنلقي عليه تحية الإكبار ونزرع مع دعواتنا له أكاليل الزهر والغار مشيدين بما قدم وما يقدمّ، آملين أن يقبل منا هذه التحية التي تسعى إلى الارتقاء إلى قامته العالية في دنيا الإنسان وفي عالم الثقافة العربية .

سعـاد محمد الصبـاح


المقال جاء عبارة عن مقدمة كتبتها د. سعاد الصباح لكتاب احتفائي في جزأين عن صاحب السمو الملكي الأمير الشاعر عبدالله الفيصل رحمه الله

الطبعة الأولى - 2001

البندقية والريشة.. (مقدمات كتب)



بقلم: د. سُعَاد محمّد الصّبَاح



كثيرة هي أسماء العسكريين التي تحفظها الكتب تخليداً لأعمالهم في ميادين القتال على اختلاف فنونه، من الاستراتيجية إلى أدوات الحرب ومعاركها المتميزة بخصوصية العبقرية في المواجهة والحسم العسكري. بل إن تاريخ الحروب يبدو في حقبات وكأنه تاريخ العالم نظراً لما حفلت به الأرض من نشاط السلاح وتصادم الجيوش وهدر ملايين الأرواح ودماء المدن وزرع التخلف الحضاري في أرجاء المعمورة لآماد طوال.
والتاريخ العسكري يحفظ للعديد من رجالاته سجلاً سياسياً، إذ أن الكثيرين من هؤلاء قد خلعوا البزّات العسكرية ليتحولوا إلى رؤساء دول، راوحت أعمالهم بين البطش وبين البناء، وأخفق معظمهم في أداء الواجب السياسي – المدني، وقلة منهم هي التي تمكنت من تحقيق إنجاز ما، في مسيرة أوطانهم المدنية.
لكن، هذا التاريخ للعسكريين، قلما يحفظ لنا دوراً ثقافياً لواحد من ضباطه المتقدمين في علوم الحرب. ونحن اليوم، في مواجهة المعادلة التي حققها واحد من رواد حركة التنوير الثقافي في عالمنا العربي، الدكتور ثروت عكاشة. ولعل بواكير الاهتمام الثقافي في حياته ثؤشر ومنذ العام       1951 على التوجه العميق لهذه الشخصية المتميزة، إذ أنه في ذلك العام وضع اللبنة الأولى لمستقبل اهتماماته حين فاز بالجائزة الأولى في مسابقة القوات المسلحة للبحوث والدراسات العسكرية. إذن فالبحث والدراسة والتأليف هي المحور الذي كان يشغل خريج كلية أركان الحرب الذي حمل دبلوم الصحافة ثم شهادة الدكتوراة في الآداب من جامعة "السوربون" الفرنسية العريقة عام 1960. ورغم تقلّبه في العديد من المناصب العسكرية والسياسية إلا أنه منذ العام 1958  اتجه إلى الشأن الثقافي وزيراً ثم استاذاً زائراً بـ "الكوليج دى فرانس" بباريس لمادة تاريخ الفن، وبعدها زميلاً مراسلاً للأكاديمية البريطانية الملكية.
لقد أخذ تاريخ الفن يتسيّد اهتماماته، والحفاظ على التراث يتقدم همومه الثقافية، لذلك نجد أمامنا وزيراً للثقافة يبادر لإنجاز مشروع إنقاذ آثار النوبة ومعبد أبو سمبل ومعبد فيله، والتي كان مشروع السد العالي، على عظمته الاقتصادية والاجتماعية، يشكل خطراً عليها، مما أوجب العمل لإنقاذها، وهذا ما تحقق بفضل الجهد المثابر للرجل الذي اخترنا التشرّف بتكريمه هذا العام. ولو لم تكن للدكتور ثروت عكاشة غير هذه المأثرة المؤرخة لكان يكفيه مجداً، ولكنه ليس بالقانع هو إذ يشهد له تاريخ الثقافة في مصر العزيزة بالمبادرة لإنشاء معاهد السينما والمسرح والباليه والكونسرفاتوار، وتشييد دار الكتب والوثائق القومية وقصور الثقافة وفريقي الأوبرا والباليه.
هذا عدا العشرات من المشروعات الثقافية التي حملت بصمة " العسكري" المثقف والمأخوذ بمشروعه الثقافي في مجرى تاريخ الآثار وخلق الجديد من معالمها. وقد ذاع صيته في ميدان العناية بالآثار فتم اختياره نائباً لرئيس اللجنة الدولية لإنقاذ مدينة فينسيا وتراثها (1969- 1978). وحصل لجهوده الكبيرة على الميدالية الفضية لليونسكو تتويجاً لما أداه من عمل خلاّق  في إنقاذ معبدي أبو سمبل وآثار النوبة، ثم كانت له الميدالية الذهبية من اليونسكو لجهوده المثمرة إنقاذاً لمعابد فيله، وقد ثمنت فرنسا عالياً جهوده هذه فمنحته وسام " جوقة الشرف" العام 1968.
ولم تشغله كل هذه المهام، على جلالها، عن الانصراف إلى التأليف والترجمة والتحقيق، فإذا باسمه علمٌ على ثلاثة وخمسين عنواناً في مختلف مجالات الأدب والتراث والفلسفة والفنون والآثار. ويجدر بمن يقرأ في سيرة رائدنا الجليل التنبّه إلى أنه، وهو المولود في العام 1921، لم يتوقف عن العطاء ولم ينقطع عن الإبداع، أمدّ الله في عمره، وأبقاه مشعل ضوء تستنير به أجيال الطالعين وتسعد به أمة أعطت العالم الحرف وعلّمت الدنيا بدايات التعبير الإنساني بالكلمة وبالصورة الساحرة سمات وألواناً.
اليوم، ونحن نحتفي برائد مبرز من رواد حياتنا الثقافية أقف بإجلال أمام الأستاذ الدكتور والفنان ثروت عكاشة، راجية أن يقبل مني هذا التكريم: تحية عرفان ووفاء لما أدّى ولما سوف يؤدي من أجل وطن أكثر ثقافة وعطاء وبقاء في جبهة الزمن وصدر التاريخ.   


مقدمة لكتاب احتفائي عن د. ثروت عكاشة أصدرته دار سعاد الصباح
              الطبعة الأولى - 1999


الأحد، 3 أغسطس 2014

سعاد الصباح نخلة إبداع لا تشيخ


بينها وبين نزار قباني وحدة مبدأ ورسالة.. ليس تقليداً أعمى أو قصيدة تقال بالنيابة
سعاد الصباح نخلة إبداع لا تشيخ


بقلم:
علام أحمد
 – الرؤيه – مصر – العدد 799 الأثنين 17 مايو 2010


الوقوف أمام المنجز الإبداعي للأديبة الشاعرة د. سعاد الصباح هو وقوف على بواكير التحولات الأولى بفكر المرأة العربية والخليجية على امتداد سنوات  طويلة، والكتابة عنها تعني إتقان حرفة القراءة النقدية والإنسانية التي أسست لها وأرست دعائمها خلال مسيرة قاربت خمسين عاماً بدأتها مطلع الستينات وصولاً إلى اليوم ، سعاد الصباح التي لا يمكن لي أو لغيري اختصارها أو اختصار عطائها بمقام أو بمقال عابر، وجل ما يمكن لنا وصفها به ما وصفت بها نفسها :
إنني بنت الكويت
بنت هذا الشاطئ النائم
فوق الرمل كالظبي الجميل
في عيوني تتلاقى أنجم الليل
وأشجار النخيل .. من هنا ..
أبحر أجدادي جميعاً
ثم جاؤوا يحملون المستحيل


سارت د. سعاد بخطى واثقة وثابتة صوب تعزيز الجوهر الإنساني للأدب وترجمته لواقع ملموس ومادة يمكن لأي قارئ سواء كان بعيداً أو قريباً مناصراً لذلك أو معارضاً، الاتكاء عليه وقتما أراد تحفيز طاقة الخطاب الموجّه لغاية جمالية أو حقوقية، سواء لذات الجمال المعنوي أو لروح الممتلكات الطبيعية، وبين حق الإنسان ممثلاً بالظلم الواقع على المرأة بمستوييه المحلي والعربي وحق التعبير مترجما بإحدى التقنيات الأدبية والنقدية، فجرت سعاد الصباح معايير جديدة لتناول القضايا المشحونة بالهم اليومي والموزعة بين الحب والحرية والوطن والوفاء محاولة وضع تعاريف صحية وصحيحة للشعر بعيداً عن الأبواق المؤدلجة والمعدة سلفاً للنيل من إحداها أو إقصاء مضمونها الدلالي والطبيعي، ولا يستطيع منصف إنكار شرارة الصرخة الأولى للمرأة التي أطلقتها وشرعت لها لتكون مفتاح باب واسع دخلت من خلاله ملايين الأصوات الأخرى المطالبة بنيل المرأة حقوقها بتقنية فريدة مثلت تطبيقاً حقيقياً لإرادة شعرية  حملت مداليل ورؤى ثورية، محرضاً ودافعاً أقوى من السلاح في أيدي من يسعون للحصول على حق ضائع أو مهدور.
كن صديقي.. ليس في الأمر انتقاص للرجولة  غير أن الرجل الشرقي لا يرضى بدور غير أدوار البطولة
كن صديقي فأنا محتاجه جداً لميناء سلام
وأنا متعبة من ذلك العصر الذي يعتبر المرأة تمثال رخام فتكلم حين تلقاني ..
لماذا الرجل الشرقي ينسى حين يلقى المرأة نصف الكلام

اتبع بعض الحاسدين لنجاحها الأدبي والفكري بعدما فشلوا في تحقيق مآربهم بإقصائها وإقصاء صوتها العادل، مبدأ الإحالات للغير والاعتماد عليه للبروز والتألق كزعم البعض أم ما لديها نتاج شخصي نزار قباني وفي هذا الأمر ظلم كبير شكل ربما لدى د. سعاد حرجاً وأثراً سلبياً عانت منه ولا تزال ربما تعاني حالما تم طرح مثل هذا التصور ولو عن حسن النية، وربما طرحنا هنا لهذه الفكرة ليس من باب الإشارة إلى براءة أو إدانة لأنني واثق من رفعتها عنه وسمو رسالتها الإبداعية والإنسانية عن هكذا "ورطة" اخترعها بعض النقاد الذين يعانون خواء فكريا ونقديا ويريدون الظهور على حساب قامة كقامتها، وبمرور سريع على القضية ضمن عرضنا لبعض جوانب روعة ونقاء الشاعرة د. سعاد الصباح يمكننا القول أن نزار قباني ذاته المعروف بثورته على تردي الحقائق وطمس المعالم الحقيقية للهوية باتجاهاتها المختلفة وطنيا وفكريا لم يكن ليرضى بتلك المساومة وليس له أن يرضى مادام دفع خمسين عاماً ضريبة إيمان برسالة نبيلة المقصد أنجبت بعده آلاف النزاريين بين أدباء وناشطين هدفهم نيل المرأة حقها وقضايا العرب لحضورها في محافل الأدب والصورة الطبيعية للحضور الشخصي، ومن جانب آخر ليس ممكناً، بل مستحيل أن تقبل امرأة رائعة شاعرة وأما كسعاد الصباح بمثل هذا الأمر، لعدم حاجتها إليه أساسا، فما قدمته في حقول الفكر والإبداع الإنساني الآخر يبين مصداقية هذا التصور، بل ويثبته بقوة الحجة والأثر دون استدعاء لمرجعيات توثيقية كشهادة أديب أو مفكر بها، وعلى اعتبار ذلك كيف يمكن لأولئك القائلين بذاك الزعم والرأي قراءة مبادرة د. سعاد الصباح لمسابقات فكرية وأدبية عديدة عززت خلالها مشروعها النهضوي والفكري على كل الصعد الابتكارية والبحثية إضافة لتأسيس دار للنشر مهمتها الأولى استقطاب المساهمات   
أو التأريخ لمسيرة إبداعية وفكرية لأحد الرواد العرب أخذة بعين الاعتبار الإنجاز المحلي داخل المحيط الكويتي، ومن جانب آخر مشاركتها العديدة في المحافل الأدبية إلى جانب الاقتصادية والذي حققت من خلالها شهادات علمية وجوائز تقديرية لم تكن بحاجة لها بل جاءت من باب الاعتراف بإبداعها وبما قدمته من نجاحات وأفكار مميزة:
سيظلون ورائي، سيظلون ورائي
بالإشاعات ورائي، والأكاذيب ورائي
غير أني ما تعوّدت بأن أنظر يوماً  للوراء
فلقد علمني الشعر بأن أمشي  ورأسي في السماء
وبالعودة   إلى طرح الاعتماد على قباني للوصول إلى منجز كالذي حصلته د. سعاد الصباح بمسيرتها الإبداعية نستطيع القول إن غاية وزعم بعض النقاد المفتقرين لأدنى أسس الحكم النقدي قادتهم إلى مثل هذا التصور ليس بغريب  على محيط هزته د. سعاد الصباح بكلمتها وإحساسها ونقلت جميع من فيه من ثياب العوز لفكر تجديدي وطرح بناء ليلبسوا عباءة من حرير الكلمات والإحساس لامرأة آمنت ولا تزال تؤمن بأن " الشعر طريقنا إلى الخير والحق والجمال والحب والمحبة وهو الحل الأخير لجميع ما نعانيه من جفاف وملوحة و إفلاس".
وخلاصة الأمر: هل من المعقول أنه أصبح من ثوابتنا النقدية الطعن بنتاج مبدعينا لمجرد الطعن والجدل دون العودة إلى قاعدة ثابتة وليست هي المرة  الأولى التي يشرع بها البعض لآلية النيل من روعة احساس جميل كإحساس د. سعاد الصباح، بل لنا في غير هذه الأساليب غير الطيبة، وكي لا نقول غير ذلك آلاف الطروحات وآخرها ما تحدثت عنه لدى عرضي للشاعر السعودي والمبدع والكبير غازي القصيبي في مقال سابق.




منذ طرحت د. سعاد ديوانها الأول وحتى يومنا هذا كانت صريحة وواضحة وبعيدة عن الرمزية أو التكثيف لها هدف ورسالة واحدة لا سبيل لترجمتها إلا بطريق واحد هو ثورة تغيرية للمرأة داخلياً ومنه للعالم الخارجي، إضافة لما حملت قصائدها من هموم وطنية وإنسانية بدت واضحة في نتاجها المتميز ولو توقفنا عند الجانب الخاص بالمرأة وطرحنا سؤالاً بديهياً الآن هو هل كانت المرأة التي خاطبتها د. سعاد الصباح بمستوى أمانيها وخطابها لها وهل حققت تلك المرأة لسعاد الصباح بعض ما أملته منها أم أن الوقائع تتحدث عن تطور بأسلوب التعامل مع المرأة  بدا بنيلها حقوقها السياسية كتحصيل حاصل والمرأة لا تزال رهينة الجلوس أمام المرآة ومتابعة آخر مقتنيات الموضة والأزياء وأفلام السينما والتليفزيون على خلاف ما أرادت منها سعاد الصباح، الجواب عن هذا السؤال يوجد لدى المرأة ذاتها التي مثلت تجربة مبدعتنا سعاد الجانب الحقيقي والصائب فيها:
قد كان بوسعي أن لا أفعل شيئا، أن لا أقرأ شيئا
أن أتفرغ للأضواء وللأزياء وللرحلات
قد كان بوسعي أن لا أرفض، أن لا أغضب
أن لا أصرخ في وجه المأساة
قد كان بوسعي أن ابتلع الدمع..
وأن أبتلع القمع وأن أتأقلم مثل جميع المسجونات لكني خنت قوانين الأنثى، واخترت مواجهة الكلمات


وما بين مواجهة الكلمات وصحبتها والوفاء لها روائع كثيرة لا نستطيع الإحاطة بها، إلى جانب صحبة ورفقة درب وعمر آخر من النبوغ والإبداع قضتها د. سعاد مع "آخر السيوف"   الشيخ عبدالله المبارك:
صعبٌ على الأحرار أن يستسلموا
قدر الكبير بأن يظل كبيراً
ولنا هنا أن نستعير منها الشطر الثاني، مدللين على أنه لن تستطيع إشاعة أو رؤية نقدية خاوية، الانتقاص من روعة وجمالية ما نعمنا به من عطائك وإبداعك خمسين عاماً، وقدر الكبير يا د. سعاد أن يظل كبيرا.  
     

    

 جريدة الرؤية
مصر
عدد 799 الاثنين 17 مايو 2010