الأحد، 3 أغسطس 2014

سعاد الصباح نخلة إبداع لا تشيخ


بينها وبين نزار قباني وحدة مبدأ ورسالة.. ليس تقليداً أعمى أو قصيدة تقال بالنيابة
سعاد الصباح نخلة إبداع لا تشيخ


بقلم:
علام أحمد
 – الرؤيه – مصر – العدد 799 الأثنين 17 مايو 2010


الوقوف أمام المنجز الإبداعي للأديبة الشاعرة د. سعاد الصباح هو وقوف على بواكير التحولات الأولى بفكر المرأة العربية والخليجية على امتداد سنوات  طويلة، والكتابة عنها تعني إتقان حرفة القراءة النقدية والإنسانية التي أسست لها وأرست دعائمها خلال مسيرة قاربت خمسين عاماً بدأتها مطلع الستينات وصولاً إلى اليوم ، سعاد الصباح التي لا يمكن لي أو لغيري اختصارها أو اختصار عطائها بمقام أو بمقال عابر، وجل ما يمكن لنا وصفها به ما وصفت بها نفسها :
إنني بنت الكويت
بنت هذا الشاطئ النائم
فوق الرمل كالظبي الجميل
في عيوني تتلاقى أنجم الليل
وأشجار النخيل .. من هنا ..
أبحر أجدادي جميعاً
ثم جاؤوا يحملون المستحيل


سارت د. سعاد بخطى واثقة وثابتة صوب تعزيز الجوهر الإنساني للأدب وترجمته لواقع ملموس ومادة يمكن لأي قارئ سواء كان بعيداً أو قريباً مناصراً لذلك أو معارضاً، الاتكاء عليه وقتما أراد تحفيز طاقة الخطاب الموجّه لغاية جمالية أو حقوقية، سواء لذات الجمال المعنوي أو لروح الممتلكات الطبيعية، وبين حق الإنسان ممثلاً بالظلم الواقع على المرأة بمستوييه المحلي والعربي وحق التعبير مترجما بإحدى التقنيات الأدبية والنقدية، فجرت سعاد الصباح معايير جديدة لتناول القضايا المشحونة بالهم اليومي والموزعة بين الحب والحرية والوطن والوفاء محاولة وضع تعاريف صحية وصحيحة للشعر بعيداً عن الأبواق المؤدلجة والمعدة سلفاً للنيل من إحداها أو إقصاء مضمونها الدلالي والطبيعي، ولا يستطيع منصف إنكار شرارة الصرخة الأولى للمرأة التي أطلقتها وشرعت لها لتكون مفتاح باب واسع دخلت من خلاله ملايين الأصوات الأخرى المطالبة بنيل المرأة حقوقها بتقنية فريدة مثلت تطبيقاً حقيقياً لإرادة شعرية  حملت مداليل ورؤى ثورية، محرضاً ودافعاً أقوى من السلاح في أيدي من يسعون للحصول على حق ضائع أو مهدور.
كن صديقي.. ليس في الأمر انتقاص للرجولة  غير أن الرجل الشرقي لا يرضى بدور غير أدوار البطولة
كن صديقي فأنا محتاجه جداً لميناء سلام
وأنا متعبة من ذلك العصر الذي يعتبر المرأة تمثال رخام فتكلم حين تلقاني ..
لماذا الرجل الشرقي ينسى حين يلقى المرأة نصف الكلام

اتبع بعض الحاسدين لنجاحها الأدبي والفكري بعدما فشلوا في تحقيق مآربهم بإقصائها وإقصاء صوتها العادل، مبدأ الإحالات للغير والاعتماد عليه للبروز والتألق كزعم البعض أم ما لديها نتاج شخصي نزار قباني وفي هذا الأمر ظلم كبير شكل ربما لدى د. سعاد حرجاً وأثراً سلبياً عانت منه ولا تزال ربما تعاني حالما تم طرح مثل هذا التصور ولو عن حسن النية، وربما طرحنا هنا لهذه الفكرة ليس من باب الإشارة إلى براءة أو إدانة لأنني واثق من رفعتها عنه وسمو رسالتها الإبداعية والإنسانية عن هكذا "ورطة" اخترعها بعض النقاد الذين يعانون خواء فكريا ونقديا ويريدون الظهور على حساب قامة كقامتها، وبمرور سريع على القضية ضمن عرضنا لبعض جوانب روعة ونقاء الشاعرة د. سعاد الصباح يمكننا القول أن نزار قباني ذاته المعروف بثورته على تردي الحقائق وطمس المعالم الحقيقية للهوية باتجاهاتها المختلفة وطنيا وفكريا لم يكن ليرضى بتلك المساومة وليس له أن يرضى مادام دفع خمسين عاماً ضريبة إيمان برسالة نبيلة المقصد أنجبت بعده آلاف النزاريين بين أدباء وناشطين هدفهم نيل المرأة حقها وقضايا العرب لحضورها في محافل الأدب والصورة الطبيعية للحضور الشخصي، ومن جانب آخر ليس ممكناً، بل مستحيل أن تقبل امرأة رائعة شاعرة وأما كسعاد الصباح بمثل هذا الأمر، لعدم حاجتها إليه أساسا، فما قدمته في حقول الفكر والإبداع الإنساني الآخر يبين مصداقية هذا التصور، بل ويثبته بقوة الحجة والأثر دون استدعاء لمرجعيات توثيقية كشهادة أديب أو مفكر بها، وعلى اعتبار ذلك كيف يمكن لأولئك القائلين بذاك الزعم والرأي قراءة مبادرة د. سعاد الصباح لمسابقات فكرية وأدبية عديدة عززت خلالها مشروعها النهضوي والفكري على كل الصعد الابتكارية والبحثية إضافة لتأسيس دار للنشر مهمتها الأولى استقطاب المساهمات   
أو التأريخ لمسيرة إبداعية وفكرية لأحد الرواد العرب أخذة بعين الاعتبار الإنجاز المحلي داخل المحيط الكويتي، ومن جانب آخر مشاركتها العديدة في المحافل الأدبية إلى جانب الاقتصادية والذي حققت من خلالها شهادات علمية وجوائز تقديرية لم تكن بحاجة لها بل جاءت من باب الاعتراف بإبداعها وبما قدمته من نجاحات وأفكار مميزة:
سيظلون ورائي، سيظلون ورائي
بالإشاعات ورائي، والأكاذيب ورائي
غير أني ما تعوّدت بأن أنظر يوماً  للوراء
فلقد علمني الشعر بأن أمشي  ورأسي في السماء
وبالعودة   إلى طرح الاعتماد على قباني للوصول إلى منجز كالذي حصلته د. سعاد الصباح بمسيرتها الإبداعية نستطيع القول إن غاية وزعم بعض النقاد المفتقرين لأدنى أسس الحكم النقدي قادتهم إلى مثل هذا التصور ليس بغريب  على محيط هزته د. سعاد الصباح بكلمتها وإحساسها ونقلت جميع من فيه من ثياب العوز لفكر تجديدي وطرح بناء ليلبسوا عباءة من حرير الكلمات والإحساس لامرأة آمنت ولا تزال تؤمن بأن " الشعر طريقنا إلى الخير والحق والجمال والحب والمحبة وهو الحل الأخير لجميع ما نعانيه من جفاف وملوحة و إفلاس".
وخلاصة الأمر: هل من المعقول أنه أصبح من ثوابتنا النقدية الطعن بنتاج مبدعينا لمجرد الطعن والجدل دون العودة إلى قاعدة ثابتة وليست هي المرة  الأولى التي يشرع بها البعض لآلية النيل من روعة احساس جميل كإحساس د. سعاد الصباح، بل لنا في غير هذه الأساليب غير الطيبة، وكي لا نقول غير ذلك آلاف الطروحات وآخرها ما تحدثت عنه لدى عرضي للشاعر السعودي والمبدع والكبير غازي القصيبي في مقال سابق.




منذ طرحت د. سعاد ديوانها الأول وحتى يومنا هذا كانت صريحة وواضحة وبعيدة عن الرمزية أو التكثيف لها هدف ورسالة واحدة لا سبيل لترجمتها إلا بطريق واحد هو ثورة تغيرية للمرأة داخلياً ومنه للعالم الخارجي، إضافة لما حملت قصائدها من هموم وطنية وإنسانية بدت واضحة في نتاجها المتميز ولو توقفنا عند الجانب الخاص بالمرأة وطرحنا سؤالاً بديهياً الآن هو هل كانت المرأة التي خاطبتها د. سعاد الصباح بمستوى أمانيها وخطابها لها وهل حققت تلك المرأة لسعاد الصباح بعض ما أملته منها أم أن الوقائع تتحدث عن تطور بأسلوب التعامل مع المرأة  بدا بنيلها حقوقها السياسية كتحصيل حاصل والمرأة لا تزال رهينة الجلوس أمام المرآة ومتابعة آخر مقتنيات الموضة والأزياء وأفلام السينما والتليفزيون على خلاف ما أرادت منها سعاد الصباح، الجواب عن هذا السؤال يوجد لدى المرأة ذاتها التي مثلت تجربة مبدعتنا سعاد الجانب الحقيقي والصائب فيها:
قد كان بوسعي أن لا أفعل شيئا، أن لا أقرأ شيئا
أن أتفرغ للأضواء وللأزياء وللرحلات
قد كان بوسعي أن لا أرفض، أن لا أغضب
أن لا أصرخ في وجه المأساة
قد كان بوسعي أن ابتلع الدمع..
وأن أبتلع القمع وأن أتأقلم مثل جميع المسجونات لكني خنت قوانين الأنثى، واخترت مواجهة الكلمات


وما بين مواجهة الكلمات وصحبتها والوفاء لها روائع كثيرة لا نستطيع الإحاطة بها، إلى جانب صحبة ورفقة درب وعمر آخر من النبوغ والإبداع قضتها د. سعاد مع "آخر السيوف"   الشيخ عبدالله المبارك:
صعبٌ على الأحرار أن يستسلموا
قدر الكبير بأن يظل كبيراً
ولنا هنا أن نستعير منها الشطر الثاني، مدللين على أنه لن تستطيع إشاعة أو رؤية نقدية خاوية، الانتقاص من روعة وجمالية ما نعمنا به من عطائك وإبداعك خمسين عاماً، وقدر الكبير يا د. سعاد أن يظل كبيرا.  
     

    

 جريدة الرؤية
مصر
عدد 799 الاثنين 17 مايو 2010

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق