الاثنين، 27 يناير 2014

أصداء الذكريات في تشكيل سعاد الصباح


الإثنين ،  2007/05/21 - العدد 

 اللون من فضاء بعيد

أصداء الذكريات في تشكيل سعاد الصباح

سعاد الصباح
سعاد الصباح
تم النشر في 2007/05/21 
بقلم د. فيصل سلطان (*)
تأتي سعاد الصباح الى عالم اللون من فضاء بعيد، هو فضاء الذكريات الضائعة الزاخرة بالوعود على امتداد خط القلب. فهي تجاهر في مجموعتها الشعرية 'والورود تعرف الغضب'، انها بدوية تختزن في ذاكرتها عصورا من القهر وتختبئ تحت جلدها ملايين الشموس.
وكلما اختزنت الشاعرة تجاربها اقتربت من المنطلقات التي تتلاءم وقول الشاعر الفرنسي بودلير 'ان الحداثة هي ان نعود الى جذورنا.. جذور الشمس التي في داخلنا' وكذلك قول اديب مصر الشيخ محمد عبده 'نحن ديوان كلمات والغرب ديوان هيئات، وقد آن لديوان الكلمات ان يستفيد من ديوان الهيئات'.
لم يكن ديوان الهيئات سوى تلك الرسوم السرية التي انتجتها سعاد الصباح في الخفاء في عزلتها في الريف البريطاني. ربما لتؤكد من خلالها ان ما كان يوما حقيقيا، يبقى الى الابد ممكنا، وان الحياة والفن هما هبة لا نستطيع ان نفصل انفسنا عنهما. لذا تختلط عوالم لوحاتها بأصداء الذكريات التي تتبع من نسيج سيرتها الذاتية والتي تستعيدها كرغبات لونية اشبه بغمامات البخور، التي تأتي من ازمنة الحالات الشعرية، حيث تمتزج مؤثرات الامكنة الواقعية بتخيلات امكنة الخواطر، الاحلام، وامكنة الذكريات.
زمن التذكر: زمن الحرية
اللافت ان تجارب سعاد الصباح الفنية بدأت منذ ست سنوات برسم تجليات لموضوع اواني الزهور، حيث الحضور اللوني الآسر لباقات الورود الحمراء الواقفة وسط رعشة خفية من النور في اوان قاتمة، فقد حملت تلك المواضيع رموزا لرؤى شعرية بصرية ظهرت في ديوانها من خلال تشبيه المرأة العاشقة بالزهرة، فالورود التي تنسقها كل صباح هي هبات محبة لزوجها الراحل الشيخ عبدالله المبارك، وهي ايضا هدايا حنين لطيف روحه، الدائم المثول والتماهي في حياة العائلة، رغم سنوات الغياب الطويلة، هو الامير وفارس الاحلام الذي شطر تاريخ حياتها الى نصفين تماما كما تنشطر اوراق النبات في خطوط اشبه بخطوط العمر.
جاهرت سعاد الصباح في قصائدها ان زوجها كان يصفها بوردة البيت وبركته، وانه قطف لها من حديقته اجمل وردة. لذا اوقفت باقات الورود والزهور في لوحاتها على حافة الذكريات، لتومئ من خلالها بنوايا الاشكال كرغبات هائمة سريعة الزوال. فهي تستلهم في رحيق هيئاتها رائحة الماضي، ومرايا رؤاه وانواره الشعرية الصافية. وهذا ما يفسر سر مواظبتها على الرسم الدؤوب لعوامل الزهور والورود كمتتاليات تذكارية، تدمج بين الطيف الواقعي للاشكال والحركة اللونية الغنائية والسرابية للفضاء المحيط بها. كما لو انها متتاليات اختراق شعري - بصري في ثنائية الاحتمال: احتمال لقاء الدفء العاطفي للشكل - الرمز مع سراب تداعيات الالوان كذكريات. ذكريات تنبثق وتنفتح من جديد ومن غير تعمد في فضاء اللوحة.
هكذا تتنوع تجاربها في صياغة لوحات الطبيعة الصامتة لنماذج من اواني الزهور والورود. والنماذج ما هي الا تمارين لونية للارتقاء الشعوري مع اصوات الصمت، اصوات تسكن الرؤية من جهة ومحفوظات الشاعرة من جهة اخرى كحالة وجودية. فالتخيل الشعري يحيلنا دوما الى اعماق لونية جديدة للشمس الداخلية، للظل والنور، اي للاعماق التي تنبع من منظور انتروبولوجي مع باقات المشاعر الذاتية (اللاارادية والتلقائية والعفوية) التي تمتزج بشفافية لونية مع ايماءات الشكل المرسوم ومتهيئاته.
فمرور النتاج الفني من ابواب التداعيات الى فسحات المشهدية - الغنائية، اي من اجواء الغريزة الحلمية - الرمزية 'الى الحساسية' السردية - الصافية، يجعل هذا النتاج الذي تزاوله في الخفاء اشبه بحالة دفاع عن النفس. اذ ان العلاقة الجدلية بين الانا واللاوعي تجعل من باقات الزهور مصدرا للقبض على اشارات الذكريات الهاربة، التي تعيش حالة رومانسية تعوم وتطفو وتطل كقصائد عاطفية ملونة.
زاولت سعاد الصباح الرسم والتلوين كحاجة ذاتية، او كمدعاة للشفاء من وجع الغياب، وكخلاصة لادراك حسي وجودي لطقوس الشكل في الزمن الضائع، ادراك اشبه بالملاطفة والابتهال لما يحتويه من دلالات واوهام ومصالحة من الواقع. كما لو ان اللوحة هي الوجه الآخر ليوميات الصمت والغربة، يوميات الظمأ الى الاشياء الحميمة والى اعماق شقوقه الحافلة بطيبة الحياة وأحزانها.
من هذا المنطلق آثرت أن تمنح أزهارها وورودها نورا مرتعشا وهدأة شاعرية، بعدما أدركت مافيها من كوامن الفرح والوجع، فبدت كما لو أنها تظهر ونسة الأشياء ورهبة مثولها، في نظرة خاطفة وحقيقية، كجمرة مشتعلة من الذكريات.
على نحو قولها: 'انه عندما تفتح رسائلها القديمة وتقرأها لم تعرف أنها كانت تلعب بالنار'.
هكذا تجلى اللعب بالنار في فنها حين زاوجت مابين العين المفتوحة والقلب المفتوح كي تصبح هي واللون واحد' انسجاما مع المقولة الشهيرة لبول كلي'، لاسيما عندما أدركت ان المرئي اللوني الذي يحمل أصوات الصمت يمكن أن يتجسد كمنظور موسيقي خام يترجم الأحاسيس العميقة وأن العين التي ترى تخيلات ألسنة اللهب، لهب المشاعر، تتجاوب مع النبض الإيقاعي لأصداء الذكريات. عندها يتحرر الشكل من علاقته مع الزمن ويتخذ أبعادا نفسية أكثر ديمومة وخلودا. فقد اكتشفت ان في الطبيعة الصامتة سرا شبه بالأعجوبة والسحر، لأنها تبعث الحياة في الذكريات،كما تكشف بتناغماتها اللونية حوارات سرية إلى العلن.
أصبح للطبيعة الصامتة فضاء خاص وثيق الصلة بعوالمها الشعرية، منذ راحت ترسم بعفوية عوالم الورود دون تخطيط مسبق. فالمواضيع المألوفة تأتي من أحاجي الشعر وأوهامه، وهي ترسمها كرسائل حب إلى سيد الأمكنة'كما تصف زوجها'. لذا بدت سعاد الصباح في لغتها التصويرية كما لو أنها وبين هيئات الورود هوس وبوح وأسرار. هوس تجلى في لوحاتها من كشوف قراءة الضوء، سواء كان خارج الأشياء أو في داخلها، مما أتاح لها تحليل سرالمعادلات اللونية لا النظر إليها ونسخها وملامستها من الخارج.
هكذا غدت أجواء العزلة في الريف البريطاني في فنها حب التخيل والتوهم اللوني لحركات الضوء، الذي اعتبرته فاتحة الدخول إلى معرفة الأشياء ومعرفة الذات.
لوحة المنظر: التكامل الأسمى للذكريات
بحثت سعاد الصباح عن رؤى تتجمع وتتفرق مع إطلالات النور ورحيله.
فالركيزة الأساسية التي انطلقت منها في رسومها للمنظر الطبيعي تجسدت في محاولاتها الدؤوبة لاستعادة أحلامها، لذا دخلت إلى عالم المنظر بذهنية المتذكر وليس بذهنية
المشاهد، ،هذا ما جعل مناظرها نابعة من ذاكرة لونية ذات طابع أشبه بقوس قزح. إذ أن مناظرها مشغولة بإحساس طفولي بريء ينحو إلى التعبيري الغنائي ذي الروحانية الملهمة التي تحمل الكثير من البشائر والوعود، لما فيها من رهبة وحضور لوني مهيب. تقول في إحدى قصائدها: 'باسم كل مايملية اللون الأخضر لك ولي أدعوك إلى الصعود إلى المركب ثانية، فالبحر جميل والآفاق التي لم نعرفها أروع من الآفاق التي عرفناها، والمشاوير التي تمشيها أحلى من المشاوير التي مشيناها'.
غاصت سعاد الصباح في تحليل الأبعاد الجمالية للوحة المنظر واعتبرتها مدخلا لرؤيتها الشعرية الثاقبة لمعرفة مكنونات عوالم الألوان وفك رموزها وترجمة خفاياها. وهذا ما جعلها في استنفار دائم حيال إنتاج فني، شكل الحدث بمظهره التقني ومحتواه الجمالي فالأعمال التي قدمتها كرسوم مرافقة لديوانها 'رسائل من الزمن الجميل'. جاءت أشبه بقصائد بصرية تتراقص فيها إيقاعات الألوان كقوافي الشعر وخفق الموسيقى، فإذا بنا فجأة امام تجربة تعبيرية متنوعة ومتفاوتة في أدائها.
فاللون هنا له قيمة روحية نستدل بواسطتة على حرارة المشاعر ووهج الذكريات. وأهميته أن مولود الهدوء والتأملات العميقة. فهو مشحون بعاطفة تبحث عن فواتح الضوء وخواتيمها، وعن نذور الأرض واستغراقها المحموم باللون، كما لو أنها تبحث في مناظرها عن تجليات واقع مستعاد وتخيلات بلا ضفاف. لذا لم تعد محاكاة النموذج'المنظر' هو الغاية بل نقطة البدء، لاستعادة ذكريات الحقبة الجميلة من حياتها. فالارتماء في أحضان الطبيعة لم يكن سوى محاولة لغمس الهموم بهواء نقي وفسحات آمنة، فسحات تجسدت في رسومها من خلال العلاقات اللونية البكر والمناظر الخلابة للسهول والجبال والبحار والسحب المتناثرة.
فالطبيعة في هذا المقام لم تعد نزهة بل ذريعة،فالأرض وأنفاسها اللونية تظهر وثيقة الصلة بحدائق السعادة، وهي الجسر الذي يمدها بالطمأنينة والدفء والأرض تكشف لها أسرار الصمت وألغازه وغموضه وإيماءات ذكرياته. لذا تجاهر سعاد الصباح في ديوانها بعلاقتها التطهرية مع الطبيعة فتقول: 'أخرج من أحلامي وأنا مغتسلة بأضواء الفجر، اغتسل باللون الأزرق وفي ذاكرتي أمطار من الألوان، وان الجغرافيا لا تغير شيئا من طبيعة عشقي.. وأن كل محاولاتي'الفنية والشعرية' ليست سوى للاختبار كالعصافير في سواد عينيك'.
على هذا الأساس تظهر سعاد الصباح شاعرة في الفن وفنانة في الشعر. فهي ترسم بالكلمات في شعرها الحافل بالشوق والحنين والرؤى ولايسع الشاعرة ان تنقلها سوى بالعالم الملون للوحة الطبيعية. وهذا ما يفسر سر انزلاق المنظر في رسومها نحو الحدس الشعري والفطري الصافي. الحدس التخيلي الذي يقفز فيما وراء العقل والمنطق دون اي حاجز كي تصبح الطبيعة بين يديها كائنا لينا يسمع ويستجيب، فهي في لمساتها تبحث عن الزمن الضائع والزمن الآتي، تتحدث مع اعشاب السهول وتمتطي زرقة السماء وتطير بعيدا مع الغيوم الشاردة باحثة عن شجرة الحياة ومقاماتها. فهي لا تصور هيئات المناظر بشكل واقعي دقيق ولا تسرد تفاصيل حكايات الذكريات بل توقظ الاسرار النائمة في الاشياء حولها. تحركها بريشتها كي تتفتح وتقبل نحوها.
مسافرة عبر الزمن
الزمن ينحسر ويولي مدبرا، وهي تواظب على النظر خلفها الى ما كان وتتصوره انه كان. المنظر يتكرر وليس من جديد آت، انما سير الى الوراء حيث ملاذ الارض المباركة وانوارها المليئة بالرجاء. فالنور هو انبعاث ليقظة الذكريات ويقظة خبايا القلب، هو العلامة الاستدلالية للقيام من رقاد مجدد للقوى. لذا تتناوب سعاد الصباح في رسومها على اظهار المنظر كتقويم لوني متنساسق ومتجدد، في حالات سطوعه واحتدامها واشعاعاته وانحساراته. كما لو ان المنظر في ينابيعه اللونية الملهمة كأمكنة الذكريات، هو حالة استطلاع واستدعاء واستقبال لمدرج النور، هو حالة وصل وايصال لكل الالوان الخبيئة في حواشي القلب.
تومىء سعاد الصباح في رسوم مناظرها بحال الخلاص، من خلال الارتماء في فضاء من الهدوء المتفجر على حين، باحثة في ملاعب الضوء عن سلام داخلي في ألغاز الالوان التي تطربها وتشعرها بالنشوة. لذا تتواطأ مع ايقاعات لمساتها اللونية وتسترسل على هواها وتحلق بفطرية وارتجالية عفوية كي تعبر وبكثير من الحرية عن بيانات السعادة في حكايات العمر. فاللون هو مملكة الشعر هو اللمسة القابضة على رعشة الذكريات كرسائل من الزمن الجميل.
(*) فنان وناقد تشكيلي
'من اراد الالهام لفرشاته باح بمكنون قلبه ولم يبخل بشيء
الكتابة والتصوير يخدمان الهدف نفسه: الافصاح عن الطيبة الداخلية'
هانغ يو (رسام صيني من القرن الرابع عشر ميلادي)

الاثنين، 20 يناير 2014

أنت أدرى - سعاد الصباح




ياحبيبي, لو فرشت الدرب من أجلك زهرا
وملأت الجو أضواء, وألحاناً, وعطرا
ومددت الهدب في غابة أحلامك جسرا
ونسجت الأمسيات البيض للأشواق وكرا
هنئاً يقطر طيباً.. دافئاً ينبض سحرا
لبدا الكون لنا من نفحة الفردوس قصرا
نحن فيه وحدنا للحب, أحرارٌ وأسرى..
يا حبيبي, كم ترامت لهفتي براً وبحرا
كم زرعت الأرض شوقاً, وسقيت النبت خمرا
وسمعت الريح تحكي آهةً في الصدر حرى
أنا لو فجرت دمعي, ما غدت في الكون صحرا
أنا لولا حبك الملهم ما حررت سطرا..
حبك الملهم خلى همساتي لك شعرا..

يا حبيبي, إن قلبي ليس يعصي لك أمرا
كلما هيأت لي تضحيةً... هيأت عشرا
لو طلبت الشمس, والزهرة, والأنجم طرا
لترامت حول أقدامك بالفرحة سكرى
مر.. تجدني أجعل الليل إذا ما شئت فجرا
والخريف الجهم, نيساناً, وألواناً, وبشرى

يا حبيبي, لا تسل ما لون حبي... أنت أدرى

أنت - سعاد الصباح




أي منى من زمني أنتظر
وأنت في عيني أحلى الصور؟.
أنت الخيال الطلق في أوجه
أنت الربيع الشاعري النضير
لولاك, ما غنت طيور الربى
ولا حلا في الليل طول السهر
ولا تهادى النجم في أفقه
ولا زها في الليل ضوء القمر
ولا تناغنى نغمٌ حالمٌ
صفا به العيش, وطاب السمر

مولاي, كيف اختلت فوق الثرى؟.
ولست من طينة هذا البشر..
أنت نقاء الفجر في طهره
وبهجة العطر, ونفح الزهر
أنت انطلاق النفس من قيدها
أنت الندى... أنت عطاء المطر
أنت شعاع الشمس في دفئه
أنت المنى. أنت ابتسام القدر

أعقل المجانين - سعاد الصباح





يحكون عن كل العصور
عن روما...
وأثينا..
وفلورنسه...
وقرطبة التي تبكي قبابها في الليل
بدموع عربيه...
يحكون عن المعجزات السبع
وينسون أنك معجزتي
وعن عصر المأمون الذهبي
وينسون..
أن لا عصر ذهبياً إلا عصرك
ولا قيد أجد فيه حريتي
إلا قيدك...
يتحدثون في الكتب القديمه
عن قواد كبار
وعن عشاق كبار
ورسامين
وموسيقيين
وشعراء كبار
ومكتشفين, ومخترعين كبار
ولا أحد يتحدث عنك
يا الذي اكتشفت أنوثتي قبل أن أكتشفها..
واخترعتني..
قبل اختراع النار والشعر...
لا أحد يعرف معجزاتك...
أيها الرجل الذي حولني في ثوانٍ
إلى قطعة شمس...
وسبيكة ذهب..
-3-
يتحدثون كثيراً عن مجانين الهوى
ومجاذيب العشق
يتحدثون عن البهاليل
الذين شنقوا أنفسهم على ضفائر حبيباتهم
ودخلوا إلى غابات الحزن ولم يعودوا...
وقاتلوا في سبيل امرأة.. حتى قتلوا..
وداروا ملايين المرات في فضاء الوجد..
حتى احترقوا...
قرأت كثيراً عن مجانين الهوى
عن قيس بن الملوح
وعن ديك الجن الحمصي
وعن فان غوج
ولكنني لم أعرف مجنوناً أعقل منك
ولا عاقلاً
أكثر منك جنوناً...
-4-
قرأت عن ملوك تنازلوا عن عروشهم
ليحتفظوا بعرش الحب
يا الذي علمني أبجدية الحنان...
وأدخلني جامعة الوله...
لا تتنازل أبداً عن عرشك
-5-
قرأت كل معاجم العشق
وكل رسائل العاشقين...
قرأت ( طوق الحمامة )..
و( نشيد الإنشاد ).. و( مزامير سليمان )..
قرأت ( أوفيد )... و( عيون إلزا )..
ولكنني لم أستوعب حتى الآن
قصة تستوعب منانا..
وقصيدة تتسع لسكنانا...
ولغة تكفي أن نتمدد فيها.. نحن الاثنين
لم أجد... يا حبيبي...
في كل المكتبات التي ذهبت إليها...
وفي كل الكتب التي قرأتها
كلمة... تستطيع أن تقولني
أو مفردة.. تستطيع أن تقولك
فيا تاركي.. مجروحة على زجاج اللغة المستحليه
أتوسل إليك...
أن ترفع يديك عن ثقافتي..

أحزان سائحة - سعاد الصباح





سائحةٌ أنا... أجوب في الورى كل فضاء
ولي فؤادٌ نازفٌ, بعدك شلال دماء
والعنكبوت ناسخٌ في داخلي بيت شقاء
حقيبتي مرهقةٌ تململت من العناء
وبهتت ألوانها وأصبحت بلا رواء
تسألني: متى نعود للحنان والوفاء؟.
للحب في قاهرتي, وللجمال والصفاء
فلا أرى لي سلوةً في غربتي سوى البكاء
وما رثت لأدمعي الغزار أدمع السماء
في بلدٍ كأنه جهنمٌ بلا هواء
كأنه يقبس من قلبي وقلبك اصطلاء
وأهله قلوبهم من كل ألفةٍ خواء
كأن في أعماقهم مجاهلاً من الشتاء
أعماهم الدولار عن معنى الحياة والفداء
فأصبحوا شراذماً من العبيد والإماء

عشرون يوماً ها هنا... عواطفي بلا غذاء
أعيشها في غربتي بلا منى ولا رجاء
وأنت يا قاهرتي الحسناء... يا أغلى دعاء
هل تشهدين أدمعي وتحملين لي الرثاء؟.
هل تلمحين في قصائدي مآتم المساء؟.
هنا نواقيس المعابد الحزينة النداء
كأنها أصداء أحزاني تملأ الجواء
هنا الجبال الخضر في عيني سوداء الرداء
والمدن الرحبة تبدو لي كأنها خلاء
والبحر لا يجري, ولا يخطر في مجراه ماء
فكل شيءٍ حائل الألوان, مشلول الضياء
إلا بقايا أملٍ تدفعني إلى البقاء
تسعدني الأحلام فيها بأرغايد اللقاء
على ضفاف النيل.. عاش النيل قدسي العطاء..

أم الشهيد - سعاد الصباح





رأيتها ملتفةً بالسواد
في وجهها ملحمة من حداد
مقروحة الجفن على فلذة
من كبدها الحرى طواها الرماد
تشكو تخلع قلب الجماد
في ليلة العيد تهاوى ابنها
مستشهداً في غمرات الجهاد
ولم تزل نجواه في سمعها
ولم تزل صورته في الفؤاد

سألتها عنه فقالت: فتى
ملتهب العزم, كريمٌ, جواد
لما دعا للثار داعي الحمى
وهبته لله... رب العباد
فراح ملهوفاً على حقه
مؤرق النوم, عنيد الوساد
يطهر الأرض من المعتدي
ويفتدي بالروح حق البلاد

هب مع الأبطال في جمعهم
يهتف بالعودة في كل واد
وخر في الساحة مستشهداً
يردد الصيحة بين الوهاد:
لا تتركوا السيف على غمده
فتارك السيف عدو الرشاد
وقبلوا المدفع يثأر لكم
و لا تبالوا بالليالي الشداد

أوراق من مفكرة امرأة خليجية - شعر: سعاد الصباح



-1-
أنا الخليجيةُ
التي يمرُّ من بين شفتيها خطُّ الإستواءْ
وعلى خيطان دشداشتها
تتجمعُ مراكبُ النواخذهْ
ولقالقُ البحرْ
ونجومُ الصيفِ المتساقطهْ
من حدائقِ اللهْ...

-2-
أنا شجرةُ السدرِ الدائمةُ الاخضرارْ
وفاكهةُ النارِ والنحاسْ
وزهرةُ الحلمِ والنعاسْ
أنا البدويةُ
التي جاءت إليكَ من بحار الصينْ
لتتعلمَ الحبَّ في مدرستكْ
فعلمني...

-3-
أنا الخليجيةُ
الهاربةُ من كتابِ ألف ليلهْ
ووصايا القبيلهْ
وسلطةِ الموتى
والتي تتحدى-حينَ تكونُ معكْ-
حركةَ التاريخِ،وجاذبيةَ الأرض،
أنا النخلةُ العربيةُ الأصولْ
والمرأةُ الرافضةُ لأنصافِ الحلولْ
فباركْ ثورتي...جل 

-4-
أنا الخليجيةُالتي نصفها سمكة
و نصفها امرأة...
أنا المهرة ن 
أنا الخنجر البحري الازرق 
الذي لن يستريح
حتى يقتل الخرافة ...

-5-
أنا الخليجية ...
التي تقاتل بأظافرها 
من أجل أن يكون الخبز للجميع
و المطر للجميع ..
و الحب للجميع ..
و االتي تقاومُ ملحَ البحرْ
وتياراتِ الأعماقْ
والرجالَ الذينَ لهم أسنانُ سمكِ القرشْ
وعيونُ الشرطةِ السريهْ...

-6-
أنا الخليجيةُ..
المعتقةُ في خوابي الزمنْ 
أنا السالميةُ ...
أنل الصالحيةُ...
أنا الشويخُ ..
أنا عدنْ ..وأنا التي لو شئتني يوماً
لكنتُ لكَ الوطنْ...

-7-
أنا الغجريةُ التي تحملكَ في خلاخيلها
وحلقها النحاسيّ الطويلْ
وتسافرُ بكَ إلى آخرِ حدودِ الدنيا
وإلى آخر حدود الولهْ..
يا منْ يشعلُ بياضَ الثلجْ..
وذاكرةَ العطورْ..
ويشعلُ ذاكرتي..

-8-
أنا قصيدتكَ المكتوبةُ بحبر الأنوثهْ
أنا عصفورتكْ
أنا جزيرتكْ
أنا كنيستكْ
فاسمعْ أجراسَ حنيني
وأطرقِ البابَ عليَّ في أي وقتٍ تريدْ
وعلقْ على أهدابي
أحزنكْ...