الاثنين، 6 يناير 2014

بوح سعاد الصباح.. لـ الأهرام

بوح سعاد الصباح..
المصدر: الأهرام اليومى
27 مارس 2010
بقلم:   مفيد فوزى
 


كانت الشاعرة د. سعاد الصباح ـ وسط رموز مصرية ـ مكرمة في احتفال مهيب في صالة الاحتفالات الكبري بجامعة القاهرة بعد مرور 50 عاما علي ميلاد كلية الاقتصاد والعلوم السياسية، وكنت ضيفا علي الحفل بدعوة كريمة من عميدتها د. عالية المهدي، التقيت بالشاعرة العربية عصر نفس اليوم علي فنجان شاي و.. حوار، فكلانا أصدقاء عقل، وفي إهداءات سعاد الصباح لي تكتب "الي الصديق الصديق" في الصفحة الأولي من دواوينها وإبداعاتها النثرية، واسألها عن فلسفة الصديق الصديق فتقول : ( هناك صداقات أصيلة لا تتغير ولا تعرف المشاعر المتبدلة، وهناك صداقات هامشية )، قلت : الصداقة الحقة هي بكاء بعيون الآخرين : قالت سعاد الصباح : لم أحصل بعد علي ( مصل يحميني من الخديعة )، قلت : يعشش الحزن في وجدانك، قالت : ( تعبت من التجريح وتألمت ) وتعبت من الأضواء، والآن أريد أن أكون نفسي، أريد العودة للرسم والفرشاة والألوان وأعطي وقتا أكثر لأحفادي، في بيتي في لندن أكثر من مائتي لوحة، المهم أن أستمر بقوتي وعافيتي حتي وصولي لقبري، عندنا دعاء كويتي أدعو به في صلاتي وأقول ياربي ( من حيلي لقبري ).
قررت تغيير دفة الحديث بعد أن طافت بنا نسمات شجن، كان السؤال : ماذا يرهق الشاعرة العربية؟ قالت : ( أوطاننا حبلي بالنفايات السياسية )، قلت : عندما دخلت الجامعة وعدت بذاكرتك الي مقاعد كلية الاقتصاد، كانت ابتسامتك تستحق عدسة تصوير، قالت سعاد الصباح : تظل الجامعة ( هي البستان الأخضر الذي يضم شبابا يصنعون المستقبل ).
قلت : اهتمامك بتعليم أحفادك كنت شاهدا عليه وأنا أحاورك بالكويت، قالت الشاعرة : الأطفال هم الخيول الرابحة في سباق المسافات الطويلة والاستثمار البشري، قلت لسعاد الصباح : عيد الأم قادم، ويثير فيك مشاعر، ردت سعاد : ( الأم هي المؤسسة الوحيدة التي تنادي بالحب، الأم ليست مدرسة بيولوجية وعضوية، لكنها مدرسة سياسية كبري يتخرج فيها كل الرجال الذين يحكمون العالم ).
أقول لسعاد الصباح : صمتك طال في السنوات الأخيرة.
ترد بنظرة ثاقبة : لم يكف البلبل عن التغريد كما تقول ولكن العمر ( مثل الحنفية تخف فيها قطرات الماء، إيقاع خطواتي أقل ولكني أكثر فلترة للأشياء، زمان كنت أسير عكس التيار ).
قلت : مصر تميمة في عمرك واسمها وشم علي روحك، ترد : مصر أكثر من وشم وفي بعض الأحيان أشعر أني مسافرة الي الزمن الجميل خصوصا عندما تضربني العواصف وأنكسر.
أقول : رؤيتك للأنثي العربية لاتزال، ترد : ( المرأة حالة سلبية فهي تستهلك ولا تنتج، تأخذ ولا تعطي، نتلقي كلمات الغزل ولا تستطيع المرأة أن تغازل رجلا، ونطرب لما يقوله الشعراء ولا يسمح لها أن تكون شاعرة ).
أقول : ما هي عجائب العالم العربي ؟ ترد : هناك كتاب مرشحون لجائزة نوبل وليس لهم كتاب واحد، وفيه ايديولوجيات تباع وتشتري في سوق الملابس المستعملة.
قلت : سمعتك في قصيدتك أمام ضيوف حفل الجامعة تقولين إن المرأة العربية مهانة وممنوعة من الطيران في فضاء الحرية، ترد الشاعرة ( أريد من كلماتي أن أفتح ثقبا في الجدار الأسمنتي لتري المرأة.. النور ).
أقول: مشوار عمرك أمام عينيك صور تتقاذفها الأيام والسنون.
ترد الشاعرة : أول خطواتي كنت ببيروت وبعدها جئت لمصر، فكان لي فيها ذكريات ومعان جميلة مع ناس أفاضل وكبار، وحقيقة اني محظوظة، فعندما جاء بي زوجي عبدالله مبارك الي مصر وكان له أصدقاء من المجتمع المصري الجميل أدباء ومثقفين وشعراء وسياسيين، مصر أغنتني ثقافيا وإنسانيا واجتماعيا، ربما لا تعلم أن أول عمل لي كان في الهلال الأحمر المصري، وأولي خطواتي في السياسة كانت مع د. فتحي عرفات وكنا نساعد منظمة التحرير وبعدها عملنا أسواقا خيرية في مصر، تلك كانت إرهاصات بدايات العمر، اسأل : تقرءين العلاقة الفلسطينية ـ الفلسطينية، الآن؟
ترد سعاد الصباح : حقيقة ( اندبح ) لان التضحيات من مصر وغير مصر قامت بها ويتنازعون علي شبر أرض، استعجب لماذا، هل نحن تربينا بزمان غير الزمان؟!
تقولين ـ وكلية الاقتصاد في مصر تكرمك : آتي الي البيت الذي من علمه أطعمني .. ترد الشاعرة الكويتية المرموقة : ( كي أشكر الحرف الذي ثقفني، وأشكر العلم الذي الي حدود الشمس قد أطلقني، إنني في جامعة القاهرة لا أقف في فراغ، انما أقف علي أرض العقل والمعرفة واستند الي جدار التاريخ والتراث )، فقلت لها من رأيك أن الاستثمار في مجال العلم هو أكثر الاستثمارات مردودا، ترد.. د. سعاد ( لأنه رهان علي العقل ورهان علي المستقبل )، أطرح سؤالا عن مصر، وقبل أن أصوغه قاطعتني : ( مصر التي تشكلت في رحمها قوميا وعلميا وثقافيا وفكريا والتي تزلزل جهازنا العصبي )، سألتها : ما وظيفة الجامعة؟ قالت : ( أن تفتح العقول علي فضاءات الفكر غير المحدود )، قلت : والكلمة المكتوبة؟ قالت ( أن تفتح النوافذ علي المدي الأزرق )، قلت للشاعرة وهي ترنو بنظرة للنيل من شرفة الفندق بغرفتها : لماذا لا تكتبين سيرتك الذاتية؟ قالت : ( ليس عندي وقت ولا رغبة، وبعد مرور الزمن تبهت الأحداث فلابد من فلاش قوي ليذكرني )، كنا نتكلم عن حجابها وهل أضاف لها بعضا من الفكر المتحفظ وكان رأيها ان الحجاب ( لباس شرعي ) وأن حجابها ( لا حجاب عقل ).
قلت للشاعرة سعاد الصباح: من أجمل ما قرأت لك دستورا عاطفيا مواده مكتوبة بحبر القلب، قالت بفضول : ما هي هذه الأبيات؟ قلت : تقولين معادلة نحلم بها :.. أعتقد أن الحب الحقيقي هو إعادة صياغة من نحبهم..
وإعادة تشكيلهم..
اذا أعدت صياغتك وأنت أعدت صياغتي..
لأننا تداخلنا وتوحدنا وانعجنا ببعضنا...
نجحت تجربتنا كما لم تنجح تجارب الآخرين..
فصرنا ملوكا علي عرش الحب..
حين بقي الآخرون هم عداد الرعايا...
 



ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق