الأربعاء، 16 يناير 2013

الشاعرة سعاد الصباح أنشودة الإبداع والعطاء






 بقلم: سعدية مفرح



تبدو مقاربة مسار وتجربة حياة مفكر أو باحث أقرب إلى فضاء واسع في حضوره وتأثيره سيما اذا ما كان مالىء الدنيا وشاغل الناس في ابداعاته وتفرده.

الشيخة الدكتورة سعاد محمد الصباح شاعرة وكاتبة وناقدة كويتية، اسمها يحمل حضور بلدها وريادته في الفكر والسياسة وتعميم الثقافة العربية. حاصلة على درجة الدكتوراه في الاقتصاد والعلوم السياسية. أسست دار سعاد الصباح للنشر والتوزيع.

تـم تكريمهـا فـي العديـد مـن الدول والتي كان آخـرها وسام الجمهورية التونسية - الصنف الأكبر- الذي منحه لها الرئيس التونسي المنصف المرزوقي تقديراً لما قامت به من أعمال أدبية وإنسانية.

وفي شهر يوليو 2012 جرت في العاصمة الكورية الجنوبية سيئول مراسم منح جائزة في الأدب للدكتورة الصباح. وكانت لجنة أدبية أشرف عليها سفير دولة الكويت في البوسنة والهرسك سعادة محمد خلف انجزت وبالتعاون مع الشاعر عبد الحميد الدكاكني ترجمة عدة قصائد من ديوان الشاعرة سعاد الصباح إلى اللغة البوسنية.








يذكر مسار وحياة الشاعرة سعاد الصباح بالدور الرائد للمرأة العربية في التاريخ .

قد يستبد المال بصاحبه فيحوله إلى مستبّد وبدلاً من إنفاقه فيما ينفع الناس يجعل منه سياطاً تكوي ظهورهم ولو عن بعد عندما يصبح الإنفاق نوعاً من السفه جرياً وراء سراب السمعه او الألقاب أو الوجاهة الإجتماعية أو عندما يكون تطبيقاً حرفياً لأحد لوامع نزار قباني في رثائة عميد الأدب العربي طه حسين في قصيدته "حوار ثوري مع طه حسين".

لم يعتد العرب وجود الكثير من النماذج المضيئة التي سخرت المال لخدمة المجتمع وجعلته رافدا خيرا في السر والعلن، وفي مجال الأدب والثقافة والعلوم.

وكان أول ما لفت انتباهنا ونحن في ريعان الصبا جوائز الدكتورة الصباح التي تمنح للأدباء والشعراء العرب الذين لم يتجاوزوا الخامسة والثلاثين من العمر. وقتها وفي العام 1988 م تحديداً لم نكن ملمين تماماً بكل المؤسسات الفردية التي تمارس دوراً ايجابياً في خدمة الأدب والفنون حتى عثرنا على تجارب مضيئة في عدد من الدول العربية والأوروبية حيث يلتفت أصحاب المال إلى الثقافة كي لا تصبح يتيمة منبوذة، الأمر الذي سلكته سعاد الصباح.







الدانوب الأزرق توثق جانباً دراسياً عن الشعر وحضور الإنسانة الشاعرة سعاد الصباح في سعيها لتوثيق دور المرأة في المجتمعات العربية.

لا يملك المتتبع لمسيرة الشعر العربي الطويلة سوى أن يلاحظ نوعاً من أنواع المماهاة بين تربع الشعراء الذكور على سدة هذه المسيرة والبنية الذكورية للكتابة نفسها.

الشعر العربي منذ المعلقات حتى البارودي وشوقي وحافظ على المنسوب المرتفع لوتيرة الكتابة المتصلة بالاستحواز والعصب المشدود وإطلاق نفير المعارك والحروب. كما أن غياب الملاحم الكبرى، بمعناها المألوف، عن مسرح الشعرية العربية لم يمنع الشعراء من التحلق حول مبدأ القوة وتمجيد العنف بوصفه الأداة شبه الوحيدة لتحقيق الغلبة في مجتمعات منقسمة على ذاتها ومحكومة بالعصبية والتنابذ القبليين، حتى ما بعد قيام الدولة الإسلامية وبسط نفوذها على جزء غير يسير من العالم.
هذا الارتباط الدائم والوثيق بين الشعر والغلبة الذكورية انعكس في بنية القصيدة نفسها بحيث بدت على امتداد مئات السنين بنية صلبة ومتراصة ومحكمة الإغلاق على نفسها، كما لو أنها نظيرة الجسد الذكوري بعضلاته المتينة من جهة وبتناظره النمطي من جهة أخرى.






وليس ضرباً من من ضروب الصدفة على الإطلاق أن نطلق على الطبقة الأولى من الشعراء القدامى تسمية " الشعراء الفحول" حيث أن هذه التسمية توائم بين القوتين العضلية والجنسية وقوة الموهبة وسطوة الحضور الشعري داخل الجماعة. وهذا المفهوم للكتابة يلحق الشعرية المتفردة بالذكور دون الإناث. وإذا كان بعض النقاد لم يتحرجوا من إطلاق صفة الفحولة على بعض الشاعرات المتميزات والمتصفات بالجرأة في اللغة والموقف فإن ذلك الأمر ظل استثناء نادراً وسط تفوق الشعراء الذكور وهيمنتهم شبه المطلقة على ساحة النظم. أما الأمر الآخر اللافت فيتصل بمنظومة الأعراف والقوانين التي اعتبرها النقاد الأوائل معياراً لشرعية القصيدة وجودتها الفنية والتي اصطلحوا على تسميتها بعمود الشعر. ولا يحتاج الناقد المتأمل إلى الاستعانة بسجموند فرويد للربط بين هذه التسمية و"الامتياز" الجسدي للذكور الذين لهم وحدهم أن يفصلوا في أمر الفحولة واكتمال شروطها التعبيرية واللغوية بمعزل عن رأي المرأة ومشاركتها.

قد تكون الحادثة الشهيرة المتمثلة في انحياز النابغة الذبياني في سوق عكاظ إلى شعرية الخنساء على حساب كعب بن زهير حادثة فريدة وبالغة الدلالة، إلا أنها تسير عكس مجرى النهر، ولا تلغي حقيقة القمع والتغييب التي لحقت بالنساء العربيات على مر العصور ، دافعة إياهن للتحول إلى موضوع للكتابة ومحل لاستثارة شهوة الرجل وهواماته، دون اعتبار لما يجيش في دواخلهن وحاجتهن المماثلة للإفصاح عن ذلك





الجيشان الجسدي والوجداني والتعبيري. ومع ذلك فإن الهامش الشعري الذي ترك للخنساء لم يكن ليتوافر لولا اقتصار شعرها كله على المحل "اللائق" بالنساء الشواعر حيث الجسد الأنثوي مغيب بالكامل خلف دور الأخت المكلومة بفاجعة الموت والمسندة ظهرها إلى قبري أخويها القتيلين في ساحة الوغي.
صحيح أن نسائ أخريات تجرأن على منازلة الرجل في عقر داره وفوق ساحة الغزل المشبوب كما فعلته ليلى الأخيلية وضاحية الهلالية وولادة بنت المستكفي، ولكن هذه الصرخات الشجاعة ظلت أشبه بالجزر المتباعدة وسط محيط ذكوري محكم الإغلاق. وإذا كان قد سمح للجواري والقيان دون غيرهن بالإفصاح عن رغباتهن عبر مقطوعات إيروتيكية بالغة الجرأة فلأن مثل تلك النصوص الفاضحة كانت تتناغم مع الدور المنوط بهن في تسلية الرجل والسهر على غرائزه وشهواته.
من هنا نستطيع أن نفهم حقيقة الانقلاب الجوهري الذي انجزته تجربة الحداثة العربية عنذ نهاية النصف الأول من القرن الماضي، والذي اقتحمته نازك الملائكة وبعدها لميعة عباس عمارة وفدوى طوقان وعشرات غيرهن حيث شكلت الانتفاضة الجذرية على عمود الشعر انتفاضة رمزية على مفهوم الفحولة الذكورية واقتحاماً لفكرة القصيدة – القلعة التي نجح الرجال عبر عضلاتهم الجسدية واللغوية في حراستها جيداً من الغزوات المتلاحقة للنساء "الأمازونيات" الباحثات عن تحققهن في الحياة كما في اللغة، هكذا غدت  الحداثة الشعرية ضرباً من ضروب تأنيث القصيدة، على حد قول الناقدالسعودي عبد الله الغذامي،وسعياً حيثياً لتخليصها من فائض العنف وتليين أشكالها






وإيقاعاتها الرتيبة عبر أنساق جديدة ومختلفة تتموج فيها التفعيلات بما يحاكي تموج
الجسد الأنوثي، أو تتحرر من كل قيد كما هو حال قصيدة النثر في نزوعها المطلق إلى الحرية. ولم يكن تحرير الأشكال من صنميتها الثابتة مقصوداً لذاته بقدر ما كان استجابة طبيعية لمخاض العالم الجديد الذي تقف فيه المرأة مع الرجل على أرض أكثر عدلاً وأقل تمييزاً بين الجنسين. في ضوء هذه الحقائق يمكن لنا أن نفهم ما جاء في مقدمة سعاد الصباح لمجموعتها "قصائد حب" حيث تقول: "هذه قصائد أحاول بها أن أقيم ديمقراطية عاطفية يتساوى فيها الرجل والمرأة في حرية البوح، بحيث لا يحتكر الرجل وحده بلاغة الخطاب الإيروتيكي، ولا تبقى المرأة مجرد مستمعة لأسطوانة الحب التي يعزفها الرجل ليلاً ونهاراً، إن لدى المرأة كلاماً عاطفياً مخزوناً منذ آلاف السنين تريد أن تقوله، فاسمحوا لها بأن تنزع الأقفال عن فمها وتقول للرجل الذي تحبه"أحبك" دون أن تذبح كالدجاجة على قارعة الطريق.
قد يكون العنوان اللافت الذي وضعته  الشاعرة لديوانها "في البدء كانت الأنثى" هو الرد المضاد على هيمنة الرجل واستحوازه والتذكير بأن الأنوثة في بعدها الأمومي المتصل بالمرأة أو بالأرض الأم هي أصل الخليقة وحاضنتها، بمعزل عن القراءة الدينية التي تجعل المرأة مخلوقة من ضلع الرجل.
فخروجها من ضلعه لايوجب التحاقها به وخضوعها التام لبطشه ورغباته، وهو ما يفسر تمرد "ليليت" على آدم، ورفضها الانصياع لهيمنته، وفق ما جاء في الأسطورة، قبل أن تظهر حواء بعد ذلك ميلاً أكبر إلى الطاعة والخضوع.





ولا نستطيع في هذا السياق إلا أن نربط بشكل أو بآخر بين عنوان مجموعة الصباح "في البدء كانت الأنثى" وعنوان كتاب الباحثة نوال السعداوي "الأنثى هي الأصل" حيث أن غاية تغليب الأنوثة وإظهار أهميتها وأسبقيتها واحدة في الحالتين، إلا أن المقاربة متغايرة تماماً حيث تعتمد السعداوي على البرهنة العقلية والعلمية والتاريخية، فيما تستخدم الشاعرة أدوات أخرى متصلة بقدرة المرأة الهائلة على الحب والحنو. وسواء كانت أماً أو زوجة أو حبيبة أو أبنة أو أختاً فهي قادرة دائماً على تلبس دورها الأمومي الأصلي والنظر إلى الرجل بوصفه الطفل الذي لا يكبر.

تجانب سعاد الصباح قدر ما أمكن الوقوع في فخ "التسوية" بالمعنى الذي عملت فيه بعض الجمعيات والحركات النسائية المتشددة، والتي قارعت العصبية بعصبية مماثلة والإلغاء بإلغاء مضاد قاصرة صورة الرجل على بعدها العضلي والوحشي والمتعطش إلى إشعال الحروب. على أن هذا الجنوح المفرط إلى أبلسة الرجل وشيطنته لا تلمسه في شعر الصباح ومواقفها حتى وهي تغضب وتجنح وتقارع الحجة بالحجة وترد الاتهام بالاتهام، كقولها في مقدمة مجموعتها "امرأة بلا سواحل":

فرق كبير بيننا يا سيدي
                                  فأنا الحضارة . . والطغاة ذكور                  
     
فهنا لا نشعر بوطأة الحقد أو لفحة الكراهية بقدر ما نشعر بنفحة العتاب والرغبة في تذكير الرجل الحاكم بأنه لطالما قاد العالم إلى حروب ضروس كانت المرأة وقودها وضحيتها، أو مضمدة جراحها الدامية.




وحتى لو قام من بين الرجال من ينقض هذه المقولة أو يدحض نزوعها إلى التعميم، فإن الحقيقة الشعرية مغايرة للحقيقة العلمية والتاريخية باعتبار أن الخيال والمبالغة هما في أصل الشعر وتكوينه الأولي.
في كل مجموعاتها الشعرية تأخذ سعاد الصباح على عاتقها مهمة إيقاظ النساء الغافلات عن خطورة دورهن ودفعهن إلى انتزاع المساحة اللائقة بحضورهن الأسر على هذا الكوكب الشقي.  وهي لا تنسى بالطبع أن المسألة لن تكون سهلة  بعد قرون طويلة من تكريس تفرد الرجل بالسلطة ورفضه  التنازل عما يعتبره حقه الشرعي والبيولوجي والتاريخي، وهو ما ينسجم مع قول الشاعرة:
هذي بلاد لا تريد امرأة رافضة
ولا تريد امرأة "غاضبة" 
ولاتريد امرأة خارجة على طقوس العائلة
هذي بلادي لا تريد امرأة
تمشي أمام القافلة
إلا أن الشاعرة التي ترفض الإذعان للأمر الواقع لا تلقي بتبعية ما يحدث على الجلاد وحده بل تحتج في الوقت ذاته على هشاشة الضحية وإذعانها، بل واستمرائها للظلم. والشاعرة تعرف بحكم ثقافتها وخبرتها معاً أن استمرار الظلم واستشراءه لايمكن أن يتما إلا إذا تواطأ المظلوم مع الظالم والضحية مع الجلاد واكتسب هذا التواطؤ قوة القانون وسطوة القضاء والقدر. فالضعف والقوة – في رأي الشاعرة – أمران نسبيان.       





    
وفي مجتمعات الاستبداد يستأسد الضعيف دائماً على من هو أضعف منه وأقل شراسة، لعله يستعيد بذلك القليل من التوازن والثقة بالنفس:
أيا أيها الدكتاتور الصغير
أنا لا ألومك مهما فعلت
ومهما قمعت شعوري
ومهما كسرت خيالي
ومهما بطشت
فلم تك يوماً قوياً
ولكن ضعفي خلاك تُحسب في الأقوياء
كما تتكرر في نتاج سعاد الصباح صور شتى للرجل المهيمن والمستبد والمفاخر بذكورته مقابل عجز المرأة وخضوعها المزمنين. فهو الطاغية والدكتاتور والطاووس والديك. وهو شهريار الذي تتوعده شهرزاد الجديدة بالانتقام لا لنفسها فحسب، بل لكل نساء العشيرة من ضحاياه، كما أنها لا تكتفي بإغرائه من أجل إنهاء لعبة القتل، بل تعمد بدورها إلى قتله، ولو بالمعنى الرمزي، ودفن ما يمثله من تقاليد وقيم بالية:
سأعلن يا أيها الديك
أني انتقمت لكل نساء العشيرة منك
وأني طعنتك
مثنى ثلاثاً رباعاً
وأني دفنتك تحت الطلول









على أن سعاد الصباح تعرف كيف تحسن التفريق بين المفاهيم والدلالات، وكيف تميز بين الرجل والمرأة بوصفهما كائنين فاعلين ومتكافئين في الإطار الاجتماعي والإنساني، وبين الرجل والمرأة بوصفهما ذكراً وأنثى خاضعين لشروط العشق والحب، وللعبة الإغواء المتبادل التي يملك كل واحد منهما الحق في اختيار دوره وموقعه الذي يريد. فإذا كانت المرأة ترفض إخضاع الرجل لها، على المستوى الإنساني والحقوقي، عن طريق العنف والإكراه، فإن لها الحق بوصفها أنثى في أن تقبل هذا الخضوع وترتضيه، لا بل إنها تطلبه وتسعى إليه في بعض الأحيان، ففي الحب والعشق ليس ثمة شروط مسبقة إلا تلك التي يرتضيها الطرفان العاشقان من تلقاء نفسيهما وبملء إرادتهما. ولكل طرف في هذه الحالة الحرية التامة في أن يتنازل طوعاً عما هو من حقه في الأصل، حتى لو تعلق هذا الحق بالحرية نفسها.

إن نزوع الشاعرة إلى الثورة والعصيان والتمرد ليس نزوعاً مقصوداً لذاته، وهو لايهدف بالتالي إلى ضرب القيم الاجتماعية وتفويضها، بل إلى تصحيحها وتصويبها لكي تصبح أكثر أخلاقية من ذي قبل، ولكي تتواءم أكثر فأكثر مع شرعة حقوق الإنسان ومع الكنز الأكثر قيمة في حياته، أعني به الحرية. وهي في سعيها إلى استعادة المبادرة تعمل على خطين اثنين، استرداد الجسد المنتهك واسترداد اللغة المغتصبة.







فعلى الخط الأول تملك المرأة كامل الحق في التصرف بجسدها وفق ما تريده لنفسها لا وفق ما يريده نزق الرجل وجشعه الشهواني. ولأن جسدها، كما هو عقلها وقلبها وروحها، ملكها وحدها لا ملك الآخرين، فلها أن تمنحه أو تحجبه، أن تقهره أو تستجيب لنداءاته في ضوء قناعاتها وقيمها وحقها في اتخاذ القرار، إنها هي التي تختار أنوثتها وحبها المفضي إلى الحرية.           
"أخرج على النص القديم للأنوثة / وأخترع أنوثتي كما أريد
أخرج من عباءة عنترة بن شداد / وأدخل تحت عباءتك
أخرج من بطن الخرافة / وأسنان شيخ القبيلة / وفناجين القهوة العربية
وأخلع الحذاء الصيني الضيق / من عقلي وقدمي / وأذهب معك إلى آخر الحرية."
وهي التي تختار أن تضحي طائعة بحريتها وصولاً إلى التوحد بالمعشوق وهدم الجدران بين الأنا والهو على طريقة قيس بن الملوح الذي كان في لحظات الوجد القصوى يظن نفسه ليلى وينادي قيساً. وما تفعله الشاعرة في بعض الأحيان هو أن تستخدم الحق ذاته، وأن ترد التحية بمثلها:
أيها المحتلني شبراً فشبرا
أنت ألغيت عناويني جميعاً
فإذا ما هتفوا باسمي
فالمقصود أنت






وهي التي تختار أن تسحب أنوثتها من المزاد العلني وأن تتعامل مع البعض بصفتها الإنسانية الخالصة بعيداً عن لعبة الذكر والأنثى أو العاشق والمعشوق.
والشاعرة تأخذ على الشرقيين أنهم لا يستطيعون أن يروا من ألوان العلاقة بين الرجل والمرأة سوى الأبيض والأسود، الاستسلام أو الصد والحب أو الكراهية، فيما أن هذه العلاقة تستطيع أن تكون مفتوحة   على عشرات الأشكال والاحتمالات بدءاً من الزمالة والاحترام والمودة وعلاقات العمل وصولاً إلى أفضل أنواع الصداقة وأمتنها، غير أن الشاعرة التي تنحو باللائمة على المفاهيم الضيقة للشرقيين لا تعني كثيراً بالوقوف على أسباب الظاهرة ودوافعها، حيث يسود الكبت وتكثر المحرمات ويستفحل الظلم والاستبداد مما يدفع الذات المهددة والملغاة إلى التعبير عن حاجاتها بأشكال مرضية وغرائزية ومنحرفة. والشاعرة ليست مدعوة – بالطبع إلى الوقوف على الأسباب والحيثيات والنتائج لأن هذه التفاصيل من مهمات الباحثين والمفكرين وعلماء الاجتماع، فيما أن مهمة الشاعر تنحصر في الاستشراف والرؤية وطرح الأسئلة المقلقة من مثل:
فلماذا أيها الشرقي تهتم بشكلي؟
ولماذا تبصر الكحل بعينيَّ     
ولا تبصر عقلي
إنني أحتاج كالأرض إلى ماء الحوار
فلماذا لا ترى في معصمي إلا السوار
ولماذا فيك شيء من بقايا شهريار؟




وفي مواضع أخرى تختار المرأة في علاقتها بمن تحب صورة الأم الناضجة بالحنان والإشفاق والرغبة في الرعاية. فالرجل بالنسبة لها يظل ذلك الطفل القاصر والمدلل الذي يحتاج في كل مراحل حياته لاستعادة الأمان الذي افتقده والصدر الذي انتزع منه. وإذا كانت متعة الرجل تتحقق في الأخذ والكسب وديمومة الطفولة فإن من حسن حظه أن المرأة بالمقابل تجد متعتها الخالصة في العطاء والبذل. على أن سعاد الصباح تدرك، على الخط الثاني للمواجهة، أن كسب معركة المرأة في محاولتها لانتزاع حريتها وحقوقها المختلفة لا يتم على أرض الواقع وحده، بل على أرض اللغة نفسها ما دامت تناضل من موقع الشاعرة لا من موقع الأنوثة وحدها. وهي حين تخاطب الرجل المتربع كالسلطان على عرش الكلمات لا تتردد في التصريح عن رغبتها المكنونة في أن تتقاسم معه سلطة اللغة ومتعتها حيث تقول:
أمنيتي
بأن أكون فتحة
أو ضمه
أو كسرة في ذلك البستان
لو كان بالإمكان يا صديقي
لو كان بالإمكان
إن النزاهة والإنصاف يوجبان الإقرار بأن سعاد الصباح استطاعت بشعرها الجريء والمتحرر من العقد أن تكسر حاجز الخوف من البوح الذي وقفت الكثيرات خلف اسلاكه الشائكة رافضة فكرة المرأة الطريدة والمرأة القارورة والمرأة المانيكان والمرأة التي تلهم الرجل ولا تستلهمه بالمقابل، وهي محقه حين تقول :"لكني خنت قوانين الأنثى/ واخترت مواجهة الكلمات"، ومحقة أيضاً حين تستشهد بقول نابليون" الرجل نثر الخالق والمرأة شعره".



شاعر وكاتب من لبنان.
شوقي بزيع
امرأة تبدأ بإصرار . . . يشبه السكين في رهافته وحدته رحلة شعرية صعبة، رغم أنها تملك أداتها الأولى حيث الموهبة قرار الممارسة، وحيث الوعي بهذه الموهبة وحدودها خطوتها الأولى نحو تحققها الأخير، ورحلة إنسانية أصعب رغم أنها تسير خلالها على طريق مفروش بالمجد العائلي التليد المسيج بزهو السلطة الموروثة ورفاهية الثراء الموروث أيضاً، فالصعوبة عنوان الطريق وعلى حديها الأدنى والأعلى توزعت مقولات الشاعرة المعلنة وغير المعلنة.

هكذا إذن، وجدت سعاد الصباح نفسها، وفقاً لتفاصيل الرحلتين، وهي تعلن ذاتها شاعرة تخوض في تضاريس دقيقة من الشعر والتاريخ والسياسة والنقد والعائلة والحب والوطن في هويته المحلية وهويته القومية . . . وما يمكن أن يكون خيطاً تنتظم فيه كل هذه المفردات دون أن تطغي مفردة على أخرى تحت وطأة هاجس ما.
"شيخة" بالولادة . . تنتمي لأسرة حاكمة، وزوجة لواحد من الكبار في تاريخ بلادها، وباحثة في المجال الاقتصادي، ولكنها قبل هذا كله بتاريخ كامل ربما، هي شاعرة تعي تلك الشعرية وتحتفي بتحققها في زمان لا ينتظر أن تكون امرأة من هذا النوع شاعرة، ولا يتوقع منها إن كانت أن تحتفي بتلك الشعرية . . . لكنها كانت واحتفت.







شاعرة محتشدة بظنون الكلام الأليف، والكلام المخيف، وبسماوات لا نهائية من الشعروالنقد والصلاة والشك والأصدقاءتمضي، ونمضي نحن الذين ربما نكون نظرنا
لها ذات حلم شخصي مكسور أو هزيمة مضنية بخصوصيتها وكأنها المرأة التي لا تعانـي ولا تنكسر ولا تنهزم ولا تظلم . . . ولا تحلم إلا ليتحقق حلمها قبل أن تحلم به . . . أليست هي سعاد الصباح؟ أليست هي الشيخة التي تنتمي لأسرة تحكم واحدة من أكثر دول العالم ثراء؟ أليست هي الأميرة الجميلة التي يخطفها الفارس الأمير على حصانه الأبيض ليتزوجها ويعيشا في تبات ونبات ويخلفان الصبيان والبنات؟! نعم نمضي نحن قليلاً . . قليلاً فقط، في الكلام، محض الكلام، ووجهه الحسن، رغم ما يفيض به علينا من علل تتجاوز حدود امرأة اسمها سعاد الصباح نحو نصف وطن من النساء يمتد من الماء إلى الماء . . ليصير استفزازاً للنصف الآخر من ذلك الوطن بمجرد وجوده الأزلي، بل لتصير أي أنثى فيه وحدها استفزازاً سرياً لتلك الذكورية الجاهلة بامتياز قومي تاريخي عريق . . . أما وإن تجرأت هذه الأنثى لتكون امرأة فهي تتحول فوراً لأن تصير استفزازاً معلناً . . ثم يتضاعف هذا الاستفزاز عندما تحاول هذه المرأة أن تكتشف تلك الينابيع السرية للشعر حيث الصدق ضرورة التحقق.
فماذا يحدث إن كانت هذه الأنثى التي قررت أن تكون امرأة تحترف كتابة الشعر تنتمي لعلية القوم وتحمل لقباً عائلياً نبيلاً؟! . . لهذا الوضع، بدوره، على علاته المتوارثة وجه حسن، ولوجهه الآخر على حسناته الحلمية علة لا أعتقد أن أحداً عانى منها كما عانت منها سعاد الصباح التي كان عليها دائماً أن تكون النموذج الرائد، وأن






تنحني لعواصف الادعاء الهوجاء دون أن تنكسر، وبين الممارستين خيط رفيع ظلت سعاد الصباح تجيد التعامل معه بدقة لم تفقدها عفوية وبساطة يشبهان الشعر في محضه وضرورته وجغرافيته وطقوسه أيضاً. فأن ينتمي مبدع للسلطة، حتى وإن كان ذلك انتماء عائلياً يعني ذلك أن يعيش بين ظلال كثيرة من الظنون الآثمة وغير الآثمة وفقاً لمفهوم السلطة وتداعياتها في أي دولة من دول العالم الثالث، فهو معرض منذ البداية وبالضرورة لمن يرى فيه ظلاً لهذه السلطة، من ناحية مما يعرض لإنتاجها لنظرات التشكيك من قبل النقاد قبل المتلقين . . . ومن ناحية أخرى من يرى فيه أداة من أدوات هذه السلطة مما يعرضه هذه المرة لنظرات نقدية استرضائية قد ترضي نجومية الشاعر ولكنها تخدش جوهر الشعر فيه، كما أنه معرض من ناحية ثالثة لنظرة خاصة من قبل السلطة التي ترى فيه ما لا تراه في الآخرين وبالتالي فهي تتوقع منه ما لا  تتوقعه من الآخرين.

لكن سعاد الصباح، ولعل هذا أهم ما حققته بالفعل نجت من هذا ومن ذاك، إلى حد ما على الأقل، لأنها وبذكاء فطري انحازت لمحض الشعر في بناء مكونات شخصيتها الشعرية دون أن تخفي اعتزازها بانتمائها العائلي الرفيع، ذلك الانتماء الذي أرى أنه أضاف بالضرورة صعوبة اضافية، حتى وإن كانت غير معلنة أو مقصودة، بدلاً من أن يذلل صعوبة متوقعة تعترض طريق امرأة، محض امرأة تبدأ، محض بداية!






لكن المثير فعلاً أن سعاد الصباح استفادت، مثل غيرها من المبدعات العربيات، دون قصد، من كل تلك المعطيات التي تحيط بتجربة أي امرأة مبدعة في أي مجتمع ذكوري، فمثل هذا المجتمع يقدم – دون أن يدري لحسن الحظ – لمثل هذه المرأة أول شروط أو أدوات الجودة والأصالة لممارسة الإبداع الشعري أو أي إبداع مشابه وهو الصدق والجرأة المتناهية، فالمرأة التي تختار الشعر رهاناً لحياتها يفترض أنها منذ البدء تعرف صعوبة الاختيار ولذته وتصير بالتالي مستعدة لإنجاز تجربتها الشعرية الحرة حتى وإن تم ذلك في مجتمع ذكوري قامع ورافض ومحارب لحميمية المرأة، ما دامت قد استطاعت عبور البرزخ السري الدقيق المؤدي إلى جنة الشعر وناره.
وسعاد الصباح كانت واحدة من الأوليات اللائي استطعن عبور ذلك البرزخ. 
كانت بأسئلتها تزرع دهشة معلنة في محيط القبيلة المأخوذة بجرأة امرأة تكتب شعراً ثورياً لا لتوقعه باسم مستعار ولا لتخفيه في الدرج السري لخزانة ملابسها ولكن لتنشره على الملأ صادحاً في فراغ مهيب من خوف موروث ورهبة مزمنة وكثير من الأحلام المكسورة.
وبمدى يشبه الخضرة المتمناة باتساعه، كانت تعلن حضورها حيث تغيب تفاصيل مهامها الأثيرة على هامش اليوم والليلة لتعيد توزيعها من جديد على هامش تاريخها كله، ولعله تاريخنا أيضاً، نحن النساء العربيات الذي قدر لنا أن نتعاطى الشعر والكتابة : 

   





يَقُولونَ : إِنَّ الكِتَابَةَ إِثْمٌ عَظِيْم ..
فَلا تَكْتُبِى
وَإِنَّ الصَّلاةَ أَمَام الحُرُوفِ .. حَرَام
فَلا تَقْرَبِى .
وَإِنَّ مِدَادَ القَصَائِدِ سُم ..
فإيَّاكِ أنْ تَشْرَبِى .
وَهَا أَنَذَا
قَد شَرِبْتُ كَثِيْرَا
فَلَمْ أَتَسَمَّم بِحَبْرِ الدَّوَاءِ عَلَى مَكْتَبِى
وَهَا أَنَذَا
قَد كَتَبْتُ كَثِيْرَا
وَأَضْرَمْتُ فِى كُلِّ نَجْمٍ حَرِيْقًا كَبِيْرَا
فَمَا غَضِبَ اللهُ يَوْمًا عَلَىّ
وَلا اسْتَاءَ مَنِّى النَّبِى ..
ولعلنا نكتشف الآن أن سعاد الصباح التي أصرت على خيار الكتابة منذ البداية، أصرت في الوقت ذاته على خيار الخصوصية والجرأة فيها حتى وهي تكتب عن تلك المنطقة الحميمة في حياة أية امرأة شرقية، فهي بدلاً من أن تستسلم لحدود المساحة الشعرية العاطفية التي اعتادت الشاعرات العربيات المعاصرات قبلها خصوصاً أن يمارسن شعريتهن ضمنها، اختارت أن تكسر هذه الحدود وتتجاوزها إلى حيث يمكن


أن تكون الشريك الفاعل بدلاً من أن تكون الشريك المتلقي في أي علاقة بين رجل وامرأة:
أريد أن أكتب إليك
لا لأرضي نرجسيتك كما تظن
ولكن لأحتفل
ربما للمرة الأولى
بميلادي كامرأة عاشقة . .
وبتفجير انفعالاتي في وجه هذا العالم
فهل في مثل هذا ريادة ما؟

ربما . . ولكنه على أي حال يكفي، على الأقل، لاسترجاع صورة تاريخية بالنسبة لي ولجيلي كله في الكويت، ذلك الجيل الذي قدر له أن يتماس مع أشعار سعاد الصباح عبر المنهج الدراسي المقرر على طلبة الثانوية العامة، صورة ترسم ملامح شاعرة لا تبعد كثيراً عن زمان ذلك الجيل وإن سبقتها ببضعة أعوام شعرية كانت كافية لكي تجعل منها المرجعية النسائية الأولى التي تنبع من تاريخنا الحميم وتتمدد على تفاصيل جغرافيتنا المحلية الخاصة، والبداية التي لا تشبه بداياتنا مع الشاعرات العربيات الأخريات اللائي يرسمن لنا في قصائدهن بساتين حلمية وثمارا لم نتذوق برتقالها الشهي وهو يتدلى من أشجار لم نرها إلا في كتبنا الدراسية التي تتحدث عن مواسم الآخرين وجغرافيتهم البعيدة كأنها الحلم الجميل.






ولكن كتابنا المدرسي لمادة النصوص الأدبية في ذلك العام خصوصاً كان مختلفاً عما درسناه من كتب شعرية في أعوامنا الدراسية الماضية، حيث كنا على أهبة ترك مقاعد المدرسة الثانوية بزيها الموحد الملل وجرسها الصاخب الزاعق في برية أحلامنا الطازجة، عندما اكتشفنا أن هناك شعراً لشاعرة نسمع باسمها لأول مرة، في ذلك الوقت، يمكن أن يكون مادة لأسئلة امتحان الثانوية العامة الرهيب، وفي الوقت نفسه مادة مستعارة لرسائلنا الوردية المختفية بنزق وحياء بين أوراق الكتاب المدرسي الأثير بانتظار أن تجد تلك الفسحة الزمنية الممتدة ما بين سور ثانوية البنات وسور ثانوية البنين القريبة . . لتروح أو تجيء! وكانت عفوية الشعر في تلك الرسائل ومدلولاته الإنسانية التي تليق بمراهقتنا الأولى كافية لأن نحتفي، في المنهج وفي الحياة، بشاعرة اسمها سعاد الصباح وبقصيدة عنوانها " جنتي" ظلت تسكن في ذاكرتنا حتى عندما غادرنا تلك المرحلة، أو لعلها غادرتنا:     
جنتي كوخ وبستان وورد
وحبيب هو لي رب وعبد
وصباح شاعري حالم
أتغنى فيه بالحب وأشدو
وإذا كان لبعض زميلات تلك المرحلة أن يظل تماسهن بسعاد الصباح محكوماً بتلك "الجنة" الحالمة وتداعياتها في حياتهن الجديدة، فإن تماسي أنا معها اتخذ بعد ذلك أكثر من صورة لم تبتعد به عن صورة تلك الجنة وتداعياتها الحلمية وإنما أضافت لها أبعاداً إنسانية خاصة.     


   


هل أقول إنني مازلت مسكونة بتلك الكلمات المشجعة الحميمة التي بادرتني بها سعاد الصباح بعد أن شاركت في أول أمسية شعرية لي خارج أسوار الجامعة؟ ولكنني كذلك . . . عندما هاتفني منظم الأمسية الشعرية التي كان من المقرر إقامتها في رابطة الأدباء يدعوني للمشاركة في هذه الأمسية لم أتردد بسؤاله عن الأسماء الأخرى التي تمت دعوتها، فذكر أربعة أو خمسة أسماء لشعراء كويتيين معروفين من بينهم أسم الدكتورة سعاد الصباح بالإضافة إلى أسم شاعر شاب في مشاركته الشعرية الثانية أو الثالثة. وكأن محدثي أحس بما يجول بخاطري فقال ضاحكاً: الحقيقة أن جميع هؤلاء الشعراء قد اعترضوا على مشاركتك أنت وزميلك الشاب في أمسية كبيرة كهذه معهم، والوحيدة التي لن تحتج ولم تسأل كانت هي الشاعرة سعاد الصباح . . . ، هل أقول إنني تشككت بما يقوله ذلك الرجل؟ ولكنها كانت اليقين ذاته بعد الأمسية بكلماتها المشجعة وإطرائها الحنون وطيبتها المتبدية من بين الكلمات.

هل أقول إنني ما زلت مسكونة بفرح الجائزة الشعرية الأولى التي فزت بها في حياتي؟ ولكنني كذلك. وما زالت جائزة سعاد الصباح الأولى للإبداع الشعري التي فزت بها عن كتابي الأول " آخر الحالمين كان" هي الأهم بالنسبة لي، ربما لأنها الأولى . . . ونحن ضعفاء أمام فرحنا الأول. ولعل هذا أهم ما يميز جوائزسعاد الصباح الشعرية عن غيرها من الجوائز الشعرية في الوطن العربي، فلأنها لا تمنح إلا لمن هو دون الثلاثين من العمر، تنجح في أن تكون الفرح الأول لمن تمنح له مما يضيف لمعناها معنى إضافياً لعله الجدير بتمييزها . . .
وماذا بعد . . . ،




هل قلنا عن سعاد الصباح كل ما أردنا قوله؟  
بالتأكيد لا . . .
ولكننا على أية حال نستطيع أن نقول أيضا إن سعاد الصباح تنجو، عبر مدى متسع من الشعر في معناه الذي يتجاوز حدود التعريفات النقدية إلى آفاق لا حدود لها، بالقصيدة وتنجو القصيدة بها . . وبين نجاتين متناوبتين تذهب إلى طرف الدهشة الأخيرة لتكون الشاعرة . . الشاعرة!


شاعرة وكاتبة صحفية من الكويت
سعدية مفرح








    


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق