الأحد، 13 يناير 2013

دمعتان في بيت موتزارت


| د. سعاد الصباح |

عندما يصل السائح إلى مدينة سالزبورغ في النمسا، ويسأل إدارة الفندق عن أهمّ معلم سياحي عليه أن يزوره، فإنه يتلقى جواب سؤاله على الفور:
«طبعاً إنه بيت مواطننا العظيم... موزارت»...
ويبتسم لك الموظف النمساوي الأشقر بكل اعتداد وعنفوان... كأنما أعطاك مفاتيح الكنز المسحور، وكأنما ليس في تاريخ النمسا العريق، ما يستحق الحج إليه، سوى بيت موزارت.
نعم... إنهم في سالزبورغ يعتبرون موسيقارهم النابغة قديساً، ويعتبرون بيته مزاراً... ويعتبرون أشياءه الصغيرة التي تركها وراءه، كالقبعة، والغليون، ومنفضة السجائر، وربطة العنق، والقمصان والأحذية التي كان يرتديها، والبيانو الذي كان يعزف عليه.. والنوتات الموسيقية المكتوبة بخط يده... والرسائل التي أرسلها لأصدقائه... بمثابة مقدسات قومية لا يجوز لمسها.
طبعاً التاريخ النمساوي عريق وغني بالقصور والتماثيل والمتاحف، كما هو غني برجال السياسة الذين لعبوا دوراً بارزاً في رسم السياسة الأوروبية كالسياسي الداهية مترنيخ... وطبيب النفس الشهير سيغموند فرويد... ولكن النمساويين يضعون موزارت في كفة... ويضعون كل ما تبقى من عظمائهم وتاريخهم في الكفة الأخرى.
إذن... فالمبدع في التقييم الأوروبي، يأتي أولاً... أما الحكام والسياسيون والوزراء فيأتون في المرتبة الخامسة أو العاشرة.
إن البطل الحقيقي لدى الأوروبيين هو الذي يُغني البشرية بأشياء الجمال... أما البطل الحقيقي عندنا فهو الذي يقود انقلاباً يستولي فيه على السلطة ويغتصب الشرعية.
في بيت موزارت بكيت مرتين، مرّة من شدة التأثر لما رأيت من تكريم لأصغر قصاصة ورق تركها موزارت...
ومرةً أخرى بكيت لأنني أنتمي لعالم عربي يأكل لحم مبدعيه وهم أحياء... ويحرق أجسادهم بعد موتهم على الطريقة البوذية.

* من كتاب «كلمات... خارج حدود الزمن» 

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق