الأحد، 19 أكتوبر 2014

مقدمة كتاب " الثقافة في الكويت "


مقدمة كتاب " الثقافة في الكويت "

وفاء للكويت

 بقلم:  د. سُعَاد محمّد الصّبَاح

الطبعة الأول 1997



تعيش الأمم تاريخها مرتين:
الأولى مع الحدث والإنسان الصانع له، والثانية مع الحدث والإنسان مدوناً ما ترك من أثر وأحدث من فعل عبر الأزمان.
لذلك كان التاريخ وعاء الإنسانية في ماضيها وزاداً لحاضرها الذي لا غنى لها عنه إن أرادت أن تعرف الحياة، كيف كانت، بأعلامها وبأحداثها وبما جرى عبر السنين وبقى محفوراً في ذاكرة الحجر والقدر. وقد سجل القدماء لنا تاريخ ما عاشوه فقدموا لحضارتهم جليل العطاء إذ صانوا ذلك الماضي من الضياع، وحفظوا لمن صنعوه حقهم في الخلود والبقاء. وقد اهتمّ الإنسان المعاصر بالبحث المضني سعياً وراء تفسير الألغاز التي حفظتها أوراق البردى والنقوش وألواح الطين، وصرف الألوف من العلماء جل حياتهم من أجل فك طلاسم الميراث الحضاري الموصد الأبواب، ومحاولة فهم التاريخ عبر خطوط ورسوم وإشارات بالغة الغرابة والتعقيد. ولكن روح العلم كانت أعظم من ذلك كله فإذا بالكهوف المغلقة تفتح أبوابها أمام التحليل الدقيق الذي أخذ يكشف أسرار الكون والإنسان في غابر العصور، وإذا بنا أمام كمٍ هائل من المعرفة بأحوال الشعوب والأمصار، وأحداثها وقوانينها وتقاليدها وأعرافها وآدابها من ملاحم وشعر وقصص فيها من الخرافة بقدر ما فيها من التخيّل والإبداع.
وهكذا تنبّه الإنسان إلى ضرورة التدوين لحفظ الحقيقة. ولعل ذلك أبرز ما وسم قرار الخليفة عثمان بن عفان رضي الله عنه، حين أمر بتدوين القرآن الكريم، صوناً لرسالة الله عزّ وجلّ إلى الإنسان عبر جبريل عليه السلام، وحياً ينزل على أكرم خلقه وخاتم أنبيائه ورسله محمد بن عبدالله، عليه أفضل الصلاة وخير السلام.
إن نظرة دقيقة ومنصفة إلى حكمة تدوين الكتاب المنزل سوف تبيّن لنا كيف صان هذا التدوين كتاب الله من التحريف أو التزييف أو الضياع والتلاعب، فأبقى للرسالة النبوية قدسيتها وصان للإسلام قانونه ووجوده وفعله في التاريخ. إن مجرد تصور ما كان سيكون عليه مصير الإسلام لولا تدوين القرآن الكريم يصيب النفس بالرعدة لما كان سيؤدي إليه من تمزق وإنكار واختلاف وجدل مدمر يوقف مسيرة الإسلام المظفرة، ويشغل العقول والأفئدة عن الجهاد والفتح وإرساء الدعائم بالتفكك والشكوك والريبة والنزاعات.
من هنا فإن كتابة تاريخ الشعوب فيه صون لماضيها وتراث ثمين لحاضرها ولمستقبلها. لذلك رأيت أن من واجبي، وضمن اهتمامي الأساسي بالثقافة ومسيرتها، ضرورة تسجيل ما يتوافر من حقائق عن حياة الكويت الثقافية ورموزها وعطائها عبر السنوات الخمسين المنصرمة، وهي  السنوات التي شهدت ولادة الحرف المطبوع عندنا وبدايات التنوير والمعرفة العلمية والأدبية. ولقد كانت هذه المهمة التي ندبت نفسي لأدائها ثقيلة وشاقة، وجديدة على حياتنا العربية الثقافية، باستثناء تجربة رائدة ومشرّفة تمت في التوأم العزيز، دولة البحرين. وكان من حظنا أن يتولى من أدى تلك الأمانة للبحرين، حمل مسؤولية الاعداد والتحرير لعملنا الكبير هذا، عنيت الأستاذ الدكتور محمد يوسف نجم، أستاذ الأدب العربي في الجامعة الأميركية ببيروت لأكثر من خمسة وأربعين عاماً متصلة.
وكان للأخوة الأعزاء الأساتذة : الدكتور حسن علي الإبراهيم، والدكتور خلدون حسن النقيب، والدكتور سليمان إبراهيم العسكري ومحمد خالد طاهر القطمه، فضل المشاركة في الاجتماع التأسيسي لمناقشة مشروعنا والبحث في الأسماء المرشحة لتولي تحرير فصوله المتعددة وإضاءة جوانب المسيرة الثقافية لوطننا، في عمل مضنٍ: عطاء وتنفيذاً.
واليوم، إذ أمسك بأوراق المسح الثقافي لدولة الكويت خلال نصف قرن، أشعر بالغبطة العميقة تغمر روحي وتملأ جوانحي بالفرح الحقيقي لإنجاز هذا المشروع الجليل في قيمته وأثره . إنه فرح الولادة الكبيرة لعمل يستحق كل ما بذل من أجله ليكون للكويت ديوانها الثقافي ومرجعه التاريخي. وإذا كنت أستشعر كل هذه الغبطة وهذا الفرح فإنني لأرجو أن ينال هذا العطاء                           
ما يستحقه من دراسة تصحح ما قد يكون وقع فيه من خطأ أو سهو أو إغفال، وكلها سمات قد ترافق عملاً في هذا الحجم الكبير من الجهد الإنساني. ولا يمكن أن أغفل تسجيل شكري الصادق والعميق للأخوات وللأخوة الباحثات والباحثين الذين أثروا هذا العمل بنتاج جهدهم الخلاق فكانوا أصحاب العون لنا في إنجاز مشروعنا الكبير.
وكلي أمل في أن أكون قد قدمت لوطني بعض ما يستحق من دين في عنقي، سيبقى كبيراً وسأبقى عاجزة عن الوفاء به على امتداد السنين.
إنني اعتبر تدوين تاريخ الكويت الثقافي، هو عمل الأعمال، ومنارة المنارات في تاريخ حياتي الثقافية.
وإذا كان ثمة أم رائعة أخذت بيدي، واحتضنت حركة أصابعي، وأشعلت طموحي في تجسيد هذا الحلم الثقافي الكبير والذي هو في الأصل عمل مؤسسات حكومية، لا فردية، فهذه الأم العظيمة هي الكويت.

فشكراً لحنان صدرها الذي كتبت عليه أجمل كلمات الحرية.. وزرعت أحلى أزهار المعرفة.            

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق