الاثنين، 11 نوفمبر 2013

الإجازة..هذه المهمة المستحيلة


| د. سعاد الصباح |

الإجازة، اختراع أميركي وأوروبي، يعني الانفصال لفترة شهر أو خمسة عشر يوماً عن ضغوط الواقع اليومي، وروتين العمل أو الوظيفة، وميكانيكية الأيام المتشابهة.
وإذا كان الأميركي يستطيع أن ينفصل بسهولة عن مشاكل البيت الأبيض، والكونغرس، والبنتاغون، ليأكل البيتزا في روما... والجبنة البيضاء في قبرص... ويسترخي على شواطئ جزر اليونان... فإن العربي الذي يقف البيت الأبيض وراء جميع مشاكله ومتاعبه السياسية، لا يستطيع أن يستمتع بالشمس، أو القمر، أو بالبحر أو بالسباغيتي في أي مكان في العالم... لأن الرئيس الأميركي جعل العالم معقداً، ومتأزماً، ومتداخلاً ببعضه كطبق السباغيتي.
الأميركي يلاحقك على إفطار الصباح... وعلى الغداء... والعشاء... ويخرج لك من قنينة المياه المعدنية...
ومن عناوين جريدة الهيرالد تريبيون (الطبعة الدولية)...
ليجعل نهارك أسود... وابتسامتك من البلاستيك، وإجازتك الصيفية اسفلتية...
إن الولايات المتحدة الأميركية لا تسيطر على العالم سياسياً وعسكرياً واقتصادياً فحسب... ولكنها تسيطر على مصادر الفرح فيه... والدولار يبقى- شئت أم أبيت- سيفاً مصلتاً فوق رقبتك، ومنشاراً ينشر عظامك على الطالعة وعلى النازلة، عندما تحاسب الفندق... وعندما تحتسي فنجان القهوة، وعندما تستأجر التاكسي... وعندما تصلي في الجامع... أو تدخل إلى الكنيسة... كل شيء... يدفع السائح ثمنه بالدولار الأميركي وكأن السماء لا تمطر إلا دولارات أميركية... وكأن الدنيا أقفلت أبوابها في وجه الفقراء... وكأن الحياة أعطت الأولوية لمن يحملون العملة الصعبة.
فإلى أين يذهب السائح العربي، وكلمات طارق بن زياد المأثورة تطن في أذنيه؟ «البحر من ورائكم... والدولار من أمامكم...».
والشاطر الشاطر هو الذي يستطيع أن يسدد فاتورة الفندق... دون أن يدخل في نار االدين... إن مواطني دول العالم الثالث، ممنوعون لا من الإجازة فقط... بل حتى من الحلم بها.
وهذا نوع جديد من التفرقة العنصرية، فحين يستطيع المواطن الأميركي أن يستحم في مياه البحر الأحمر، أو مياه الريفييرا الفرنسية... فإن المواطن الهندي، أو المصري، أو الموريتاني أو الصومالي، أو الباكستاني... لن يستطيع الاستحمام بعد اليوم إلا في مياه دموعه.

* من كتاب «كلمات... خارج حدود الزمن»


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق