الخميس، 21 نوفمبر 2013

مقدمة الطبعة الخامسة من كتاب صقر الخليج


بقلم : سعاد الصباح




ما التاريخ؟
هذا هو السؤال الذي أصاب أجيالا من الباحثين والمؤرخين بالحيرة، واختلفت بشأنه الإجابات وتعددت الاجتهادات.
فمن حيث القوى الفاعلة في التاريخ اعتبر البعض أن الزعماء والرؤساء هم العنصر الحاسم في مراحل التاريخ وكان من هؤلاء المؤرخ المصري عبدالرحمن الرافعي الذي كانت عناوين كتبه دالة على ذلك مثل: عصر محمد علي، وعصر إسماعيل، ومصطفى كامل والأستاذ حسين بن الشيخ خزعل الذي أصدر كتابا عن تاريخ الكويت السياسي بنفس المنهج، بينما ركز آخرون على تطور القوى الاجتماعية ورصد التغيرات التي تحدث في المجتمع مثل التصنيع وانتشار التعليم والانفتاح على الخارج.
ومن حيث مجال التاريخ وموضوعه كان هناك من اهتم بالتاريخ السياسي وتطور الوقائع والأحداث المتصلة بشكل نظام الحكم، بينما ركز فريق آخر على التاريخ الاقتصادي – الاجتماعي، وفريق ثالث على تاريخ المؤسسات والنظم الاجتماعية إلى غير ذلك من مجالات.
وبالرغم من هذه التنوعات والاجتهادات فإن هناك اتفاقا عاما على أن التاريخ ليس مجرد أحداث الماضي، فالماضي حدث وانصرم ولكن التاريخ هو الماضي منظوراً له بعين الحاضر والمستقبل، أو هو «التاريخ الحي» أي التاريخ الذي لايزال يعيش في حاضر المجتمع وثقافته ومؤسساته وهو حي في حياة الناس وإدراكاتهم وأمثالهم الشعبية.
وهذا الكتاب يجمع بين دفتيه أكثر من منهج:
فهو من ناحية أولى، يندرج ضمن كتب التراجم أو السير الذاتية لأن موضوعه هو قصة حياة الشيخ عبدالله مبارك الصباح ودوره في بناء الكويت الحديثة.
وكما يتضح من الكتاب فإن هذا الرجل كان شخصية استثنائية بكل المعايير فقد استطاع الفكاك من أسر المجتمع التقليدي الذي نشأ فيه وأن يتطلع إلى آفاق المستقبل الرحبة وأن يدعم قوى التغيير في الكويت، بل يشارك في صنعها من خلال أدواره في عديد من المجالات التي يعرض لها الكتاب.
وهو شخصية استثنائية لأنه أصغر أبناء الشيخ مبارك الكبير مؤسس الكويت، والذي أصبح من بداية العشرينيات - رغم صغر سنه - عمّاً لمن تولوا إمارة الكويت.
والكتاب من ناحية ثانية، بحث في التطور السياسي والاجتماعي وعملية التحديث وبناء المؤسسات في الكويت فلم يركز على السمات الشخصية لصاحب السيرة وإنما درسها في سياقها الاجتماعي.
حرصت على ذلك لأنني لا أعتقد أن تاريخ أي مجتمع هو تاريخ الزعماء، أو أن الأبطال – كما رأى كارليل هم موتور التطور، فالأساس في تاريخ أي مجتمع هو الشعب والناس.
ويترتب على ذلك أن القيادة أو الزعامة ليست مجرد سمات شخصية أو ذاتية، ولكنها تتمثل في قدرة الشخص على التواصل مع مجتمعه وفي التعبير عن احتياجات ناسه.... القيادة هي قدرة الشخص على القراءة الصحيحة للموقف التاريخي الذي يمر به وطنه ومجتمعه، وأن يسعى للتعبير عن الاحتياجات والطموحات المرتبطة بهذا الموقف، وأن يعمل من أجل مشاركة مواطنيه في بناء المؤسسات وتوفير الخبرات اللازمة لتحقيقها.
لذلك سوف يجد القارئ لهذا الكتاب تحليلاً لأثر ظهور النفط على المجتمع الكويتي واقتصاده وثقافته، وكيف ساهم الشيخ عبدالله مبارك الصباح في التكيف مع هذا التغير والتواصل مع القوى الاجتماعية الجديدة الصاعدة في المجتمع بسبب انتشار التعليم وثورة التوقعات المتزايدة، وهذا ما يفسر دوره في إنشاء الأندية والجمعيات الثقافية التي مثلت اللبنات الأولى في بناء المجتمع المدني في الكويت.
ويجد القارئ في هذا الكتاب المادة التاريخية التي تدل على كيفية صنع القرار في الكويت في الخمسينيات وأنماط العلاقات بين شيوخ آل الصباح، ودور الوكيل البريطاني في التأثير على صنع القرار وتدخله في الشؤون الداخلية للبلاد، والسعي للوقيعة أو إثارة التنافس بين الشيوخ.
والكتاب من ناحية ثالثة، بحث في العلاقات العربية والدولية فيدرس صفحات من تطور الأوضاع العربية، وقضية انضمام الكويت إلى جامعة الدول العربية قبل الاستقلال، ويعرض لجذور الأطماع العراقية في الكويت، وبعلاقات التعاون والتنافس في آن بين بريطانيا والولايات المتحدة في منطقة الخليج، وهي علاقات كانت بين قوة استعمارية متراجعة يخفت نفوذها وقوتها ولم تعد قادرة على تحمّل مسؤوليات القيام بالدور الإمبراطوري الذي لعبته لأكثر من قرن، وقوة أخرى شابة صاعدة خرجت منتصرة من الحرب العالمية الثانية وسعت لوراثة نفوذ الدول الأوروبية وبناء إمبراطورية جديدة لها.
لقد استغرق البحث في المادة العلمية لهذا الكتاب السنوات الأولى من حقبة التسعينيات من القرن العشرين وصدرت طبعته الأولى عام 1995، وهأنذا بعد حوالي عشرين عاماً أعكف على كتابة مقدمة الطبعة الخامسة. وخلال هذه الفترة حرصت على متابعة كل ما صدر عن مرحلة الخمسينيات من كتب أو ما يتم نشره من وثائق لم تكن متاحة من قبل وسعيت لإضافة أية معلومات جديدة إلى الكتاب، وفي هذه الطبعة استفدت من الوثائق الجديدة التي نشرها مركز المخطوطات والتراث والتوثيق في كتاب أصدره عن الشيخ عام 2010، وحرره الأستاذ محمد بن إبراهيم الشيباني، ومن كتب السيرة الذاتية لعدد من ضباط الجيش الكويتي الذين تعرضوا بالتفاصيل لعملية بناء الجيش ولدور الشيخ عبدالله مبارك الصباح فيها واستفدت أيضاً من المجموعة الكاملة لمجلة الكويت اليوم، والتي كانت بعض أعدادها غير متاحة لي من قبل.
وأعود إلى تعبير «التاريخ الحي».... وأقول إن التاريخ يكون «حيًّا» عندما يتناول شخصيات وموضوعات كانت ومازالت مؤثرة في حياة مجتمعاتها، ويكون إسهامها في شكل مؤسسات مستمرة في العطاء والبذل، بحيث تكون هذه المؤسسات شهادة متجددة في حق الآباء المؤسسين للدولة الحديثة في الكويت، والذين عملوا في ظروف جدّ مرهقة وشقوا طريقهم وسط الصعاب، وفي أوقات لم تكن فيها الكويت تمتلك القدرات والكفاءات البشرية المتوافرة لها اليوم.
لقد كتبت في مقدمة الطبعة الأولى للكتاب: أن هدفي الوحيد هو إظهار وجه الحقيقة لمرحلة مهمة في تاريخ الكويت، وحرصت على توثيق كل واقعة أو حدث. وأحمد الله أنه على مدى عشرين عامًا لم تصدر دراسة علمية تنكر ما رصدته من وقائع أو ما وصلت إليه من نتائج مرتبطة بتلك الوقائع.
والله من وراء القصد.

سعاد محمد الصباح
الكويت 2013


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق