الاثنين، 16 يوليو 2012

رسائل من الزمن الجميل 2


 لوحة بريشة د. سعاد الصباح


الرسالة الثانية

يا سلطان قلبي :

بحق جميع سلاطين الدولة العثمانية . . وبحق من ولدتك .
إذا كنت تعتقد أني خدمت أمبراطوريتك بإخلاص وشرف . . فإنني أنتظر على الأقل وسام تقدير على إنجازاتي . .

فباسم كل ما يمثله اللون الأخضر لك ولي أدعوك إلى الصعود إلى المركب مرة ثانية . .
فالبحر جميل . . والآفاق التي لم نعرفها أروع من الآفاق التي عرفناها . .
والمشاوير التي لم نمشها أحلى من المشاوير التي مشيناها . .

المهم أن تعرف كم أحبك . . وكم العالم ضيق بدون عينيك . .
هفواتي معك كثيرة . . وحماقاتي كثيرة . . ولكن طفولتي تشفع لي عندك . .
هل يطاوعك قلبك كأب – وأنت أبي – أن تقطع حبل المشيمة الذي يربطني بك . .
وتتركني في غربة الليل والزمهرير . . بلا شراب . . ولا طعام . .

أحاول أن أسحب من لحمي خنجراً طعنت به نفسي . .
 أحاول أن أصلح المركب المثقوب . .
 أحاول أن ألحق بالقطارات الذاهبة إلى عينيك . .
 أحاول أن ألصق الزمن المكسور . .
أحاول أن أقنعك أنني لست مسؤولة . .
لكنني طفلة . . والطفلة لا تُسأل عن الأواني التي كسرتها . .
1


أكيد أنني تغّيرت . . وأكيد أنك تغيّرت . .
ذوقي تغيّر . . أحساسي تغيّر . . مواقفي تغيرت . .
سلوكي مع الآخرين تغير . . وكذلك أنت . .

أنت أعدت صياغة ذوقي وأعدت صياغتي . .
ونقلتني من المرحلة السيبيرية . إلى المرحلة الاستوائية . .
وأعتقد أن الحب الحقيقي هو إعادة صياغة من نحبهّم وإعادة تشكيلهم . .

أنت تغيّرت كثيراً . . وأنا تغيّرت كثيراً . .
 أنت غيّرتني . . وأنا غيّرتك . .
أنا أعدت صياغتك ، وأنت أعدت صياغتي . .
ولأننا تداخلنا ، وتوحدنا ، وانعجنـا ببعضنـا ، نجحت تجربتنـا كم لم تنجح تجـارب الآخرين . .
وصرنا ملوكاً على عرش الحب حين بقي الآخرون في عداد الرعايا . . .

إنني أعرف أننا عانينا كثيراً . . واصطدمنا كثيراً . . وغضبنا كثيراً . .
ولكن كل هذا كان جزءاً من عملية الخلق . . ومن عملية التكوين . .
إن ولادة الأطفال فيها كثير من التمزق ، والوجع ، والنـزف ، والصراخ ، وكذلك ولادة الحب العظيم . . .


2



فاحمد الله . . أنه رزقنا طفلاً من أجمل أطفال العالم ... لا تنتقد أشتعالي ، وبروقي ، ورعودي ، فلولا عواصف الشتاء ما طلع الربيع . . . ولولا الرياح ما وصلت المراكب . . .


أهتم بطفلنا الرائع الذي صار عمره عشرين سنة فليس في العالم كله طفل أجمل من طفلنا الجميل . . .

أحبك . . ولا أستأذنك . . ولا أستشيرك . .
ولا أطلب من أي سلطة تأشيرة الدخول إليك . .
فأنت البلاد التي ولدت فيها . . . وأريد أن أموت على ترابها . . .
فهل تقبلني لاجئة سياسية إلى عينيك ؟ ؟


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق