الاثنين، 17 سبتمبر 2018

سعاد من اميرة الى مقاتلة بقلم: د. محمد الرميحي




معرفتي بالدكتورة الشيخة سعاد الصباح بدات منذ منتصف العقد السابع من القرن الماضي ، كانت تتردد على المنتديات العربية النشيطة وقتها ، سواء في القاهرة او بيروت ، بيني وبين نفسي كنت اعجب لهذه السيدة التي تركت وثير العيش لتنغمس في اجواء ليست بالضرورة مريحة او مجاملة ، كانت اجواء السيبعينات وما بعدها العربية بالغة التشتت، بين قوى قومية ويسارية و دينية ،و لكن الدكتورة سعاد كانت هناك في صلب النقاشات ، ليس من اجل تمويل و دعم المؤسسات التي تؤمن باهميتها في الثقافة ودعم الفكرة العروبية ،  ولكن وهو المهم حتى تقول رايها في تلك الموضوعات الساخنة التي كان يتجنب الخوض فيها كبار المثقفين  العرب طلبا للسلامة، ووضعت الدكتورة سعاد الكلام موضع الفعل المتميز ، فمولت عددا من مراكز البحث العربية التي وجدت وقتها انها تخدم الفكرة العربية و العروبة التي نشات فيها ومعها . كونها عاشت في كنف رجل سياسي هو المرحوم الشيخ عبدالله المبارك الصباح طيب الله ثراه ،  وتنقلت معه في العواصم العربية والاوربية وظهر اسمها مقرونا باسمه في تاريخ العرب الحديث ، سواء احداث مختلفة وقعت  في مصر او سوريا او لبنان، فعرفت هي عن قرب كيف تُمارس السياسة العربية وابوابها الخلفية  ، كما عرفت عن قرب الاجواء الثقافية المحيطة وذلك التوق العربي لدى النخب العرية و الذي كان يعترف بالاحباط، كما يتشوق الى النهوض سواء  في الحقبة الناصرية او ما بعدها ، في الموضوع الفلسطيني لم تتاخر الدكتورة سعاد عن دعم القضية بكل ما اوتيت من معرفة وكل ما لديها من قدرة مالية، كانت تلك القضية هي قضيتها بامتيار والتي سكبت في شعرها الكثير من الكلمات كما رصدت معانات شعبها في كلماتها المنثورة .
اما معرفتي بها الموثقة والتي عنوت هذه المطالعة بها كونها تحولت من ( اميرة الى مقاتلة) فقد ظهرت ابان الاحتلا  العراقي للكويت عام 1990  ، كُنت قد كُلفت من الادارة الحكومية وقتها ( للتاريخ لا بد ذكر من كلفني،  وهما سمو الشبخ ناصر المحمد ، و سمو الامير الشيخ صباح الاحمد) الاول كان وقتها وزير اعلام بالوكالة،  والثاني كما يعرف الجميع وزيرا  للخارجية ( في الاسابيع الاولى من الاحتلال) من اجل اصدار جريدة باسم الكويت في لندن . كان الوضع كارثيا،  و كانت المؤسسات لا تعمل ، فوجدت من الشيخة سعاد الصباح كل عون و التي شمرت عن ساعد الجد لتخوض معركة وطنها ، فهيئت لي وقتها السكن المناسب،  و كما أمدتني بالكثير من الافكار الصالحة لاصدار جريدة وهي ( صوت الكويت) التي تحتفظ المكتبة العامة اليوم في الكويت بكل اعدادها . وقتها كانت الدكتورة سعاد شعلة لايطفأ نارها في الحركة بين المجاميع الكويتية والعربية من اجل نصرة وطنها، حيث غاب كل شيئ في نظرها الا الوطن . كانت تتصل بمن تعرف من الكتاب والمثقفين العرب، كي يمتشقوا اقلامهم للدفاع عن الكويت الوطن والكويت الرسالة ، قليل منهم استجاب، وكثير منهم سوف ، واكتشفت الدكتورة سعاد ان حديث البحر الهادئ غير الحديث في البحر المتلاطم، وهي التي بذلك كل تلك الجهود في دعم الفكرة العربية، وجدتها عند النخبة هي مصلحة وخيال لا غير . امتشقت القلم وبين فترة واخرى كانت ترسل مقالا او قصيدة تحتضنها صفحات صوت الكويت بحب وفهم ، كانت كلماتها مشجعة و آملة في كويت افضل ، ومن يعود اليوم الى تلك الصحيفة سوف يجد ما كتبته الدكتورة، وقد كان بمثابة ذخيرة حية لاصرار الكويت، شعبا وحكومة على المقاومة و رفض الاحتلال . اما عملها في تلك الايام الصعبة ، فقد كانت تنتقل من تجمع نسائي الى تجمع شبابي الى معالجات فكرية في الساحة العربية، الى اتصالات شعبية لحشد الراى العام من اجل قضية وطنها، كنت المحها بين الجموع  تشجع وتعضد و تدعم وتحل المشكلات التي تعلق بين ابناء الكويت القاطنيين في بريطانيا ، كما كانت فاعلة في اللجنة العليا التي نظمها الشعب الكويتي تحت شعار ( مواطنون من اجل كويت حرة)  واختصارا كانت تعرف ب FREE KUWAIT  ربما تلك التجربة التي خلقت(الاميرة المقاتلة) بقيت في ذهن الدكتور سعاد الصباح، فطورت من عملها الثقافي بانشاء دار سعاد الصباح للنشر ، الذي تشرفت بان تنشر لي كتاب ( الاعدقاء) الذي كان عبارة عن توثيق لمرحلة الغزو العراقي من وجة نظر مراقب ومشارك في الاحداث، واستمرت تلك الدار حتى اليوم تنشر ما لا تنشره الدور الاخرى ،خاصة في توثيق مسيرة الشخصيات الكويتية الوطنية k ولعل اذكر مثالا كتاب استاذنا الدكتور صالح العجيري، الذي احتفت به الدار في مشروع كبير للاحتفاء بالمبدعين الكويتين من رجال ونساء. واصبح من الالزم ان توثق و نحتفل بسيرة هذه المبدعة الوطنية المقاتلة والشجاعة  الشيخة الدكتور سعاد الصباح، فتحية لها ولجهدها الذي لن تنساه الاجيال القادمة .

***

نشرت في مجلة الكويت 2018


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق