الاثنين، 2 سبتمبر 2013

سعاد الصباح لـ «الأهرام العربى»: «النقد» هو الماء الذى يسقى «نخلة الأدب»

سعاد الصباح لـ «الأهرام العربى»:
«النقد» هو الماء الذى يسقى «نخلة الأدب»






حوار - سامى كمال الدين 

  - أعمالها الشعرية تكشف ذلك المشوار الطويل الذى عبرت من خلاله عن رؤيتها للمرأة والحرية والطغاة العرب، لكنك تقع فى حيرة حين تقرأها ما بين اللندنية المتحررة والشرقية الباحثة عن الحرية، وعلى الرغم من هذا الصوت الشعرى المتناقض فإن د. سعاد الصباح استطاعت أن تحافظ على مكانتها الشعرية منذ ديوانها الأول وحتى الآن .

لعب بيت شعر لأبى القاسم الشابى دورا مهما فى الثورات العربية.. كيف ترين هاجس الشعر فى الثورات ؟
وما الشعر إن لم يكسر زجاج العادية والنمطية ؟ الشعر ثورة بحد ذاته. لكن هل الشعب ذهب إلى الطريق الذى يحقق أراد الحياة حقاً.. أم ذهب فى شعارات التوهان دون أن يعرف.. ؟ 

وماذا عن الشعر السياسى الذى ظهر بعد الثورة .. كيفية رؤيته بالنسبة لك ؟
يشبه نتائج الثورة كثيراً. عاصف.. وغامض.. ومرتبك.

ناديت كثيرا بحرية المرأة والحرية عموما عبر أشعارك .. ألا ترين أن الثورات قد حققت هذا الأمر من الانتقال من كلمات القصيدة إلى أرض الواقع ؟

نتائج الثورات مثل معطياتها لا يمكن أن تكون آنية.. فالزمن الطويل هو الحكم والفيصل. غليان البركان ليس هو النتيجة، وانفجاره ليس هو المطلب. . بل ما يحدث بعد ذلك فى الأجواء والأودية.. . هل سنقطف الورد أم نحصد الحمم؟ 

تمتلـىء قصائدك بحوارات الحب واللهفة والحنين والجنون والغضب
أتهجرالقلب الذى غيرك ما تعبدا
أتترك العصفور فى وحدته مقيدا
وأنت من كنت له على الزمان مسعدا
وأنت من كنت له من الحنان موردا
فرشت فى دروبه لآلئ ومسجدا
فى نفس الوقت الذى تحمل فيه أشعارك العنفوان والكبرياء وكسر النمط
أيا أيها الجاهلى المخضرم
يا راجعا من فرنسا..على فرس من حديد
وفى شفتيه حليب النياق
وطعم الثريد
أما صقلتك الحياة قليلا؟

أما هذبتك النساء قليلا؟
أما علمتك مقاهى المدينة أى كلام جديد؟
ألا ترين تناقضا؟


ثلاثون عاماً هى المسافة بين القصيدتين والمسافة بالمشاعر.. أطول من الزمن وأكبر من الوقت.. الفتاة الحالمة التى كتبت القصيدة الأولى فى بواكير حضورها الشعرى.. كانت تنظر إلى الحياة.. من بوابة العصافير والفراشات.. والأسماك الملونة وعندما خاضت وجالدت وحاربت لم تتغير كثيراً.. فقط أصبحت تطل من بوابة الآنين.. بدلا من الحنين..! 

هناك عشرات الدراسات عن شعرك .. كيف تنظرين إلى النقد ؟ 

هو الماء الذى يسقى نخلة الأدب. كل من كتب عنى حرفاً.. كتبنى من جديد.. وشعرى مثل صفحة الماء إطلالتك فيها تحدد ملامحك.. 
هل يضيف النقد إلى الشاعر؟ وكيف ؟ 
يضيف الكثير.. ويأخذ الكثير هو أشبه بكرباج.. يؤلم الخيل.. ويدفعها للأمام.

«هذه ساعة الصهيل العراقي... فألقوا أقلامكم، والدفاترهذه ساعة انفتاح الشرايين، فماذا يفيد حبرالمحابر؟ امنحونا الصمت الجميـل... قليــلاً واستردوا أسماءكم... والضمائر لا تريد الخيول صرفاً ونحواً، تكره الخيل ثرثرات المنابر

وأيضا:
أنا امرأة قررت أن تحب العراق
وأن تتزوج منه أمام عيون القبيلة
فمنذ الطفولة كنت أكحل عينى بليل العراق
وكنت أحنى يدى بطين العراق
وأترك شعرى طويلا ليشبه نخل العراق
ما زال تأثيرالغزو العراقى على أنفس الكويتيين باقيا حتى الآن .. أما من مصالحة مع النفس؟


سيبقى العراق.. ويذهب الطغاة، وستظل المودة بالتوازى مع الجروح محبة عميقة.. وألم غزير.

كيف ترين ما يحدث لهذا البلد الآن وأنت من عشاقه؟ وما ذنب الناس فى مغامرات الطغاة؟
بلاد النهرين.. أصبح بثلاثة أنهر.. نهر دجلة، نهر الفرات. . نهر الدم. 
هاجمك البعض بأنك تحملين صوتين شعريين متناقضين: صوت المرأة اللندنية
المتمردة وشخصية المرأة التقليدية . فمن أنت فيهما ؟ 
أنا الاثنين معاً الخارجة من سطوة القبيلة.. المغتسلة من رمال الصحراء.. بضباب لندن، الذاهبة إلى هناك.. تدرس وتتعلم وتطالع العالم بعيون عربية.. من جهة غربية.. ولو رأيتنى فى لندن.. لرأيت شجرة جذورها شرقية.. يكاد زيتها يضىء
ولم تمسسه نار! لكننى لا أتبرأ من هويتى.. مع حقى بإعادة تشكيلها كما يجب.. لا كما هو متاح .

كتبت قصيدة النثر والتفعيلة والشعر العمودى .. أى نوع شعرى تجد الدكتورة سعاد الصباح نفسها فيه ؟
يقولـون إن الكتابة إثم عظيم ... فلا تكتبـى . وإنّ الصلاة أمام الحروف ... حرام
فلا تقربــى . وإنّ مداد القصائـد سمّ ... فإيّاك أن تشربى . وها أنــذا قد شـربت كثيرا فلم أتسمّم بحبر الدواة على مكتبى، أنا مستسلمة دوماً لأوامر الشعر.. يحضر إلّى ويقول بكل ثقة (اكتبي).. فأطيعه ممتنة راضية.. ولا أفكر بشكل القصيدة إن جاءت عمودية أو حرة.. أو تمردت على بحور الخليل وظهرت نثرية.. 
تظل الكتابة هاجسا وأرقا لأى كاتب .. ترى فى أى مرحلة يتخلص الكاتب من أرق الكتابة؟ ومتى تخلصت أنت منه ؟ 
لم أتخلص ولن أفعل هذا الجرم.. أنا باحثة دوماً عن قلق الكتابة، ووجع الحروف.. غارقة فى بحار الكلمات، منغرسة بلحم الحروف ولا أطلب من أحد إنقاذى من هذه الورطة اللذيذة .. 

ماذا تمثل لك الكتابة .. وكيف تختارين قراءاتك ؟
 
هى الهروب الجميل.. والحزن الأنيق.. والحلم الشفيف، والمرآة التى تقول لي: أنت.. الأبهى.. أما قراءاتى.. فتمليها أفكارى.. وهى أفكار تذهب أحياناً إلى قمة العقل والحكمة.. وتأخذنى أحياناً إلى أجمل الجنون.

لك مؤلفات مهمة حول التخطيط والتنمية فى الاقتصاد الكويتى والسيـرة والتأريخ، كما نلت الدكتوراة فى الاقتصاد وتخوضين مجالات تبدو للبعض صعبـة على المـرأة، فلمـاذا اخترت الصعوبة بينما شتى مناحى الحياة تمتلىء بالسهل؟
عشتُ باحثة دائماً فى شعرى عن الروح.. والمشاعر، والأحاسيس، والنبض، فكان لابد أن تكون دراستى فيما يعادل كفة الميزان. . فى الماديات والواقع وهم الناس اليومى .. فىما يهم العامل البسيط .. وما يبنى البلاد. . لذلك اخترت أن أكون امرأتين فى امرأة.. امرأة تبنى الواقع بيد.. وتشيد الحلم باليد الأخرى.

هل أثرت كتاباتك فى التاريخ والاقتصاد على تجربتك الشعرية؟ 

تراكيب النفس الأدبية.. لا تغفل شيئاً من حياة الأديب.. الشعر إسفنجة.. تمتص التفاصيل كلها.. ثم ترشح ما يحتم الظهور.. 

ما الذى يتبقى داخلك من قدرك .. عبد الله المبارك ومن أسرتك؟ 
وما الذى لا يتبقى.. الحياة بلا حضور عبدالله المبارك روحاً وأملاً لا طعم لهـا.. هو قنديل هذا الليل الطويل..

عمل ابنك وزيرا فى فترة سياسية حرجة .. هل كان يستعين بنصائحك؟ 
«محمد» صقر تدرب بما فيه الكفاية.. وانطلق فى الفضاء، وهو الآن ملك أجنحته وبصره.. وبصيرته.

هل ترين أن العروبة بخير ؟ 
إذا تعافى العربى.. تتعافى العروبة.. والعربى بانتظار العملية الجراحية التى تستأصل منه الحزن. والخيبات.. لكن الطبيب تأخر عن موعده!!

مجلة الأهرام العربي
18يونيو 2013
رابط اللقاء


هناك تعليق واحد: