الأحد، 8 سبتمبر 2013

قراءة في نص كن صديقي سعاد الصباح.. ودّ كثيف وجرأة في الاعتراف !

موقع آراء ـ بقلم: نفلة محمد

في غمرة الإحساس، وفي قمة الشعور بالحاجة ، عندما تُعبّر الأنثى عن أحد أسرارها المُعلنة في كلمات تقدّمها بأسلوب التورية.. تودّ أن يلتقطها قلب محبّ، قلب صديق بالدرجة الأولى، يقرأ ما وراء الكلمة وتحت السطر.. يحفر ليجد المعنى.

وفي رسالة هي الأجمل من نوعها تكتب د. سعاد الصباح بلغتها البديعة، وإحساسها الفريد هذا الدرس على لوحة الشعر؛ في قصيدة معلّقة تحمل أوجه الحب المختلفة ومسحَة العتب الرقيق، ممزوجة بخطوط الرجاء وحكمة الطلب: كُن صديقي!.

إن المرأة لا تقدّم بين يدي الرجل مطالبها إلا حين تكتوي بنار الحاجة، ربما هي رغبة ملحة لأن تُكتشف دون الإفصاح، ودون بذل السؤال؛ فإن أفصحت فهي بلغت من الحاجة حدّا لا تستطيع احتماله.

أول الحب صداقة، مع وسع الصداقة أن تتحوّل إلى حب، ويستعصي على الحب في المقابل أن ينزل إلى درجة الصداقة.. لا من نقصٍ في الحب ولا سوء تُفضّل عليه الصداقة أحياناً، لمآرب شتى.. فمن عادة الإنسان أن يهتم بأشيائه في البداية حتى يعتادها ثم تفتر مشاعره لينصرف عنها بعدما يفقد دهشته ناحيتها!

فالحب في أوله في سن "الصداقة" يُشبه البذرة التي يتولاها الزارع بالسقي والرعاية، منتظراً في النهاية ثمارها.

وليس من العبث أن يُبدي فريدريك نيتشه رأيه في علاقة الرجل والمرأة الأزواج على وجه الخصوص: "ما يتسبب في الزيجات التعيسة ليس غياب الحب، بل غياب الصداقة..!". فها قد تقدّمت د. سعاد بخطوة ودّ كثيف، وجرأة في الاعتراف محمودة حين قالت:

كن صديقي.
كن صديقي.
كم جميل لو بقينا أصدقاء
إن كل امرأة تحتاج أحياناً إلى كف صديق..
وكلام طيب تسمعه..
وإلى خيمة دفء صنعت من كلمات
لا إلى عاصفة من قبلات
فلماذا يا صديقي؟.
لست تهتم بأشيائي الصغيرة
ولماذا... لست تهتم بما يرضي النساء؟..

في يدها قائمة الصداقة؛ تقرأ منها ما يفعله الأصدقاء في حال يتجاوزه المحبون، فقد تنمو رغبة المرأة بالعناية إلى درجة ترجو فيها المساندة حتى في أبسط الأشياء؛ ترنو لكلامٍ رقيق يُشعرها بأنها أنثى فاتنة؛ وتتأمل أن يغدو الكون حولها خيمة دفء فيها من الأمان مالا تناله بالقبلات التي تبدو كعاصفة.. وتلكم إشارة ذكية على تسارعها الذي يوحي بأنها تأدية عرض وتهدئة..
وصف مخيف!

دعك في حيرةٍ من أمر القبل وما تجنيه وسط تنامي خوف النساء، حتى تعيد حسابات الرجال الذين لا يحيطهم علم بأن المرأة تفتقر للحنان، لعلامات الرعاية والاهتمام.. لشدة ما ترجو أن تخطر الأشياء الصغيرات على بال الرجل ويفعلها من تلقاء قلبه؛ أن يُشغله رضاها أينما وُجد؛ ولو كان في أتفه الأشياء في نظَرِه/ وأغلاها عند امرأته..!


كن صديقي.
إنني أحتاج أحياناً لأن أمشي على العشب معك..
وأنا أحتاج أحيانا لأن اقرأ ديواناً من الشعر معك..
وأنا – كامرأة- يسعدني أن أسمعك..
فلماذا –أيها الشرقي- تهتم بشكلي؟..
ولماذا تبصر الكحل بعيني..
ولا تبصر عقلي؟.
إنني أحتاج كالأرض إلى ماء الحوار.
فلماذا لا ترى في معصمي إلا السوار ؟.
ولماذا فيك شيء من بقايا شهريار؟.


هي أمور ربما لا تستقطب شغف الرجل، ولكنها تستحوذ على لبّ المرأة.. تبدأ د. سعاد بعرض شريط المواقف وتضع إصبعها على لقطات مختارة تريد أن تقول كلمتها فيها، أن تُلقي في سمع الآخر جزء من أمنياتها الصغيرة: كالمشي في الحدائق، وقراءة الدواوين، هاجس الشراكة يكبُر رغم ضموره واضمحلاله في الواقع الملموس.. فإذا تحقّق صارت نتيجته مُربحة، يطمع لها كل الرجال تتجلى في منح المرأة له سمعها، إنصاتها، الشيء الذي يشكو من قلّته الرجال!

وفي محيط الأخذ والعطاء تظهر الاعتراضات، لترسو سفينة الكلام في ميناء "الرجل الشرقي" بالتحديد، ذاك الذي يُلفته الكحل في العين، ويأسره منظر الأنثى، هندامها، وظاهرها لا باطنها/ عقلها.. وبنبرة يغلّفها الاحتياج تعرِض عليه مسألتها التي حملتها طول السفر وأحسنت فيها المستقرّ: أرجوك الحوار.. فأنت تنظر لزينتي وتتمسّك بغرورك!

لم تجلب الشاعرة هذه اللقطات من قبيل الحديث العابر، بل نتيجة مزاوجتها بين ماتريده وما يريده الرجل الذي تصف، وبعد تعجّبها مما يفعله!

كن صديقي.
ليس في الأمر انتقاص للرجولة 
غير أن الرجل الشرقي لا يرضى بدورٍ
غير أدوار البطولة..
فلماذا تخلط الأشياء خلطاً ساذجاً؟.
ولماذا تدعي العشق وما أنت العشيق..
إن كل امرأةٍ في الأرض تحتاج إلى صوت ذكيٍ..
وعميق.
وإلى النوم على صدر بيانو أو كتاب..
فلماذا تهمل البعد الثقافي..
وتعنى بتفاصيل الثياب؟.

ولأن الرجل تعنيه كرامته، كان الإطمئنان قادم في صيغة قول خبريّ: "ليس في الأمر انتقاص للرجولة".
فكان هذا الرد على لقمة غير سائغة يُقدّمها الشرقيّ على طبقٍ من تكبّر، لتجترّ المرأة مرارة التبرير غير المبرّر إزاء رفضه الصداقة؛ حيث أن الرجل الشرقي ذو غطرسة بالغة؛ وأنانية مفرطة، لا يرضى إلا بالحصول على ما يشتهي، ويخلط قصداً بين العديد من الأمور تماشياً مع رغباته؛ ويدّعي العشق وهو أصلاً غير عشيق! وإلا كيف يعتنق العشق من يهتم بالقشور ويُهمل العمق وهو أصل الأمور؟! قد فاته أن السبيل نحو المرأة ذاك الصوت الخفيّ؛ المُختبئ وراء ألفاظها؛ ومرَق من ذهنه كيف أن اللحن والقصص والكلمات ترسم خارطة إحساسها. لذا باء بخسرانٍ عظيم لمّا انتحى إلى تفاصيلها الخارجة، البادية على جسدها والثياب، وآل مغيب فهمه عن أوطان معرفتها وجداول ثقافتها!



كن صديقي.
أنا لا أطلب أن تعشقني العشق الكبيرا..
لا ولا أطلب أن تبتاع لي يختاً..
وتهديني قصورا..
لا ولا أطلب أن تمطرني عطراً فرنسياً ..
وتعطيني القمر
هذه الأشياء لا تسعدني ..
فاهتماماتي صغيرة
وهواياتي صغيرة
وطموحي .. هو أن أمشي ساعاتٍ.. وساعاتٍ معكْ.
تحت موسيقى المطر..
وطموحي، هو أن أسمع في الهاتف صوتكْ..
عندما يسكنني الحزن ...
ويبكيني الضجر..


وبعد إياب إلى هذا الكيان، في عملية بحث سريعة عن مُناه، يتشكّل الجواب: ليس العشق الجمّ طلبه، وليست اليخوت والقصور والعطور والأقمار.. متواضعة اهتماماتها وبسيطة؛ يختصرها صوت يتغلغل سمعها لحظة الأكدار، المستدرّة حزنها، الجالبة دمعها.. والمشي والرقص برفقتها ساعة الفرح والمطر، تبدو تلك الأمنيات لروحٍ سئمت لغة الماديات وابتغت إشباع الروح الأسمى من كل مظاهر الترف.



كن صديقي.
فأنا محتاجة جداً لميناء سلام
وأنا متعبة من قصص العشق، وأخبار الغرام
وأنا متعبة من ذلك العصر الذي
يعتبر المرأة تمثال رخام.
فتكلم حين تلقاني ...
لماذا الرجل الشرقي ينسى،
حين يلقى المرأة، نصف الكلام؟.
ولماذا لا يرى فيها سوى قطعة حلوى..
وزغاليل حمام..
ولماذا يقطف التفاح من أشجارها؟..
ثم ينام..


تنشُد الروح حلمها، ليس إلا ميناء سلام.. بعدما أعيتها تفاصيل الزوال في قصص العشق والغرام؛ وبعدما أوجعها سوء الاعتبار من كون المرأة أشبه بجدار؛ تمثال في عصرٍ حجري بإختصار!
مهلاً:
إن حنجرة الروح نطقت: أيها الشرقي تكلّم، يقتل نسيانك أروع الكلام! ولكن جوارحك أسيرة شهوتك.. ثم يُغريها الانصراف!

لا شيء أوضح وأبلغ من بوح يتخلله نداء، يعلو ويعلو حتى القمة، ترتفع حدّته لتصل الرجل، لتغيّر قاعدة اعتقاده؛ لتزيل الغبش عن نظره، لتعالج قصره، وتمحو جهل تفسيره، بل أن هذا الشعر مصباح مُنير مُهدى إلى رجل غابر مازالت الحياة تشهد وجوده؛ تُلقي الضوء عليه لتنزع شعرَة السوءِ منه في سبيل صداقة صورتها أرسخ من حب لا يدوم، أو تقضي عليه الأيام.. بل دعوة لعلاقة يتبيّن من مظاهرها عفوية المشاعر، ورقّتها ودوامها ولو باليسير من الوسائل التي لا يدرك تأثيرها الرجال؛ لا سيما وأن ميشيل دي مونتين يؤكد:
"إذا كان يوجد شيء اسمه زواج جيد، فالسبب فيه أن فيه من الصداقة أكثر مما فيه من الحب".


http://mobile.araa.com/article/71084

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق