الثلاثاء، 16 أكتوبر 2012

تعال إلى جزيرتي.. تعال إلى باربيدوس



د. سعاد الصباح |

عندما كنت أقرأ عن المدينة الفاضلة أو «اليوتوبيا» التي تحدث عنها الفلاسفة الإغريق والعرب، كنت أتصورها مدينة ذهنية بحتة لا توجد إلا في عقول الفلاسفة وتصوراتهم... أما على أرض الواقع فكل المدن ملعونة، وشريرة، وغير فاضلة.
ولقد ظللتُ على شكوكي هذه، حتى أتاحت لي أسفاري أن أنزل في جزيرة من جزر البحر الكاريبي اسمها «باربيدوس».
«باربيدوس» تكوين غير عادي من تكوينات البحر، ومن مشتقات اللون الأخضر... وإنسانُها لا يشبه فصيلة الإنسان، فهو مزيج من الإنسانية والنبوة معاً.
بحر «باربيدوس» لا يشبه بقية البحار، فهو تنويعات من الأزرق، والكحلي، والبترولي، والرمادي، والأخضر، والبرتقالي، والبنفسجي...
وقمر «باربيدوس» لا يشبه أي قمر آخر... فهو يتجلى لك مرة على شكل طاووس من الذهب، ومرة على شكل عريشـــــة ياسمين، ومــــرة على شـــكل سوار من اليـــاقوت فـــي معـــــصم امــرأة جـــــميلة... ومرة على شكل كأس من الكريستال... ومرة على شكل راقصة باليه ترقص على صوت الطيور الليلية...
أما نخيل «باربيدوس»، وأشجار جوز الهند فيها، فهي مشغولة طوال النهار بتمشيط شعرها بمياه الكاريبي، حتى إذا ما غابت الشمس تركت أمشاطها على رمال الشاطئ... ونامت.
أما مطر «باربيدوس» فيشبه عاشقاً مجنوناً، ومزاجياً، وغريب الأطوار... لا تعرف متى يرضى، ولا تعرف متى يغضب، وهو كـــــكل العــــــشاق المجـــانين، يأتي بغير موعد... ويذهب بغير موعد... ولكنه في كل زيارة يترك على نافذتك رسالة حب خضراء.
على أن المعجزة الكبرى في «باربيدوس» ليست البحر، ولا المطر، ولا القمر، ولا أشجار جوز الهند، ولا مزارع قصب السكر...
المعجزة الكبرى هي إنسان «باربيدوس» الرائع في جلده الأسود وقلبه الأبيض، الذي يعطيك ثمرة جوز الهند بيده اليمنى... وقلبه باليد اليسرى، ويغني لك الأغنية الشعبية الشهيرة.
«تعال إلى جزيرتي.. تعال إلى باربيدوس».


* من كتاب «كلمات... خارج حدود الزمن»



ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق