الأربعاء، 17 أكتوبر 2012

شاعر لكل الأجيال





بقلم: د. سعاد محمد الصباح


لا يزال نزار قباني يُعمِّر جمهوريته الشعرية على امتداد الوطن العربي منذ خمسين عاماً، حتى صارت جمهوريته أشهر من جمهورية افلاطون.
لم يترك بيتاً لم يدخُلْه . .
ولم يترك طفلاً لم يلعب معه . . .
ولم يترك حديقةً لم يجلس تحت أشجارها . .
ولم يترك عاشقاً إلا احتضنه . .
ولا عاشقة إلا أهداها ديواناً من شعرهِ . . وعلِّمها كيف تكتشف الأنوثة  . .
* * *
نـزار قبانـي لم يكن شاعراً عابراً في حياتنا، بل كان خلاصة أيامنا . .
ولعلي لا أغالي إذا قلت إن نزاراً هو الشاعر المبثوث على كلِّ الموجات في سماوات الوطن العربـي، وهـو مِثـْل أبي الطّيب المتنبي، ملأ الدنيا، وشغل الناس . . ولا يزال يشغلهم حتـى الآن.
إنه الشاعر الذي ترك بصماته واضحة على ثلاثة أجيال متعاقبة. وكان، عن جدارة، وجدانَ العرب وضميرهم، والناطق الرسمي بلسان من لا لسان لهم.

إنه شاعر كل الفصول . . .
فمع قمر الصيف يأتي . .
ومع رائحة دمشق يأتي . .
ومع سيمفونية الأمطار يأتي . .
ومع إلتماعات البرق يأتي . .
ومع حزن الصواري يأتي . .
ومع بكاء الوطن يبكي . . ومع نزيفه ينزف . .
وفي الأعراس الشعبية يجلس مع الناس على الأرض ويتقاسم معهـم أرغفة الخبز . . وأرغفة الحرية . .
***
منذ بداياته قرّر نزار قباني أن يؤمم الشعر . . ويجعله خبزاً للجميع . .
ودون مبالغة أقول إن هذا الفتى الدمشقي استطاع أن يصنع من الشعر عباءة من القصب، ومنذ خمسين عاماً ونحن نلبس لغته الجميلة، ونكتسي بحرير مفرداته.
***
ولأن نزاراً كان يريد أن يصل إلى كل الناس، كبارهم وصغارهم، رجالهم ونسائهم، مثقّفيهم وأنصاف مثقّفيهم، أغنيائهم ومحروميهم . . . قرر أن يخترع لغته . .
لغة بإمكانها أن تصل إلى كل إنسان عربـي، بصرف النظر عـن وضعه الاجتماعي، أو الاقتصادي، أو الثقافي . .


الشعر على يد نزار قبّاني، صار للجميع . .
وهكذا كسر نزار قبّاني حاجز اللغة بين الشعر وبين الناس، وجعل من القصيدة حديقة عامة يدخلها الناس بلا تذاكر دخول . .
***
على يد نزار قبّاني أصبحت مساحة الجمال أكبر من مساحة القبح . . ومساحة الحرية أكبر من مساحة الاستعباد . . ومساحة الحبّ أكبر من مساحة الكراهية . .
على يد نزار قبّاني صار بإمكان المرأة أن تقرأ ديوان شعر دون أن تدخل سجن النساء . .
على يد نزار قبّاني صار الشارع العربي أكثر شجاعة في مواجهة المتخاذلين والمهرولين ..
صـار شعـر نزار في هذه الأيام ضرورة قومية، بعد أن كان في الخمسينات ضرورة جمالية
.. ففي كل مواجهة سياسية، أو قومية، أو نضالية، تكون قصائد نزار قبّاني على خطوط الدفاع الأمامية . . 
نزار موجود في كل مكان على خارطتنا النفسية . .
لعيون المرأة يوم . . . ولعيون الوطن ستة أيام . . . لرائحة المرأة شهر . . . ولرائحة الشهداء كل شهور السنة . . . لشفاه النساء قصيدة . . . ولجراح الشهداء ألف قصيدة . .
***


 


- مقدمة كتاب (نزار قباني.. شاعر لكل الأجيال) الصادر عن دار سعاد الصباح 1998 بمناسبة تكريمه من قبل دار سعاد الصباح

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق