الأربعاء، 3 أكتوبر 2012

كويتية في فينيسيا






بقلم: | د. سعاد الصباح |


السيدة فينيسيا... امرأة مهووسة بالماء إلى حد الجنون... مازالت تقف تحت الدوش منذ آلاف السنين، حتى اخضرّ جسمها من تراكم الأعشاب البحرية... واستوطنت قبائل من السمك والمحار وطيور النورس في كفّيها...
تزوجت البحر بعد قصة حب طويلة... وأنجبت منه عشرة آلاف جندول... تؤوي في صدرها خمسين بالمئة من عشاق العالم... وتعلمهم أبجدية الحب من ألفها إلى يائها... حتى صار الجندول باعتراف الذين درسوا العشق على يديها، جامعة أهم من جامعة أكسفورد... أو جامعة هارفرد.
السيدة فينيسيا من فصيلة زهر اللوتس، تسكن في بيت من ماء... وتنام على سرير من ماء... وتكتب قصائدها على دفاتر الماء... ولو أرغموها على الخروج من وطنها المائي.. لاختنقت كسمكة فصلوها عن طفولتها.

السيدة فينيسيا، سيدة جميلة جداً... ومجنونة جداً... ولا تزال تحتفظ في عصر الكمبيوتر والصواريخ العابرة للقارات بكل تقاليد العصر الرومانسي وميراثه.
السيدة فينيسيا هي آخر مدينة في العالم يستوطنها الحلم... آخر ما تبقى من عصر الرومانسية... آخر حمامة بيضاء في عصر الرعب النووي... وآخر مخطوطة شعرية كتبها شعراء الحب الإنكليز والفرنسيون والإسبان، قبل أن يفترس الكمبيوتر قلب الإنسان.

السيدة فينيسيا تصنع الزجاج الملون... وتصنع الدانتيل الجميل... ولها جيش يتألف من عشرة آلاف حمامة يرابط ليلاً ونهاراً في ساحة سان ماركو... وينقر الحَبَّ من راحات الأطفال... ويأخذ الصور التذكارية معهم.
حمام ساحة سان ماركو يحط على رأسي... ورأس أولادي وأحفادي... ويعاملنا برقة استثنائية، وحنان خاص... كأنه قرأ ما في عيوننا من خوف وحزن.

هل ترى يعرف حمام فينيسيا... أننا عرب قادمون من أرض يذبحون فيها الحمام...؟


* من كتاب «كلمات... خارج حدود الزمن»

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق