الاثنين، 1 أكتوبر 2012

العقل يأكل نفسه



| د. سعاد الصباح |



عندما قال الشاعر اللبناني الكبير بشارة الخوري في إحدى قصائده الغنائية:
جفنه علَّم الغَزَل
ومن العلم ما قَتَلْ

ظننا أن العبارة لم تكن أكثر من شطحة من شطحات شاعر الهوى والشباب. وأن العلم الذي يقصده هو بعيون المحبوب، ونضارة خدّيه.
ولكن نبوءة بشارة الخوري - والشعراء دائماً تصدق نبوءاتهم - أصبحت تصحّ على العلم بكل حقوله، وكل فروعه وتطبيقاته.
فالعقل البشري، على ما يبدو - تجاوز الخطوط الحمراء التي رسمت له... وأخذ يمارس التخريب، فوق سطح الأرض، وتحت سطح الأرض، ويثقب بصواريخه العابرة للقارات غلاف الكرة الأرضية بما يهدد الجنس البشري جميعاً بالزوال.
وربما قال قائل: ولكن هذه هي الحضارة.
وأنا أقول: إن الحضارة لا تنفصل عن الرادع الأخلاقي أبداً، فحضارات الشرق القديم، من هندية، وفرعونية، وفينيقية، وآشورية، وكنعانية، وبابلية، وسومرية، كانت حضارات عريقة وخالدة لأنها لم تنفصل عن القيم الإنسانية والمثل الأعلى.
فالرسامون، والنحاتون، والمعماريون، والشعراء، والفلاسفة في عصر النهضة قدّموا للبشرية حضارة عقلية وفنية مذهلة... دون أن يلجأوا إلى التخريب.
أما علماء هذا العصر فإنهم يستبيحون كل شيء حتى يصلوا إلى الحقيقة، ولو كانت هذه الحقيقة فيها دمار للجنس البشري.
إنهم المسؤولون عن انتشار التلوث وثقب غلاف (الأوزون) وتسويق النفايات الذرية، وانقراض الأفيال، وموت الغابات، وإجراء التفجيرات الذرية في باطن الأرض... تلك التفجيرات التي غيّرت مناخ الكرة الأرضية وجعلت صيفها شتاء... وشتاءها صيفاً.
حتى جهاز (الكمبيوتر) الذي قيل عنه معجزة العقل البشري، أصبح يتآمر على نفسه، فقد تمكن بعض العلماء اللصوص من اختراع ما سموه (فيروس الكمبيوتر) يستطيع أن يدمّر ذاكرة أي كمبيوتر يختاره، ويمحو كل المعلومات المخزونة فيه، كما يدمّر فيروس الإيدز مقاومة الجسد الإنساني.
وصدق الشاعر بشارة الخوري حين قال «ومن العلم ما قتل».


* من كتاب «كلمات... خارج حدود الزمن» 

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق