الأحد، 30 سبتمبر 2012

لاتذبحوا عصفور الحرية




| د. سعاد الصباح |

لا يحق لأحد أن يقص جناح الصحافة الكويتية بدافع المروءة والخوف على مستقبل الكويت، كما لا يحق لأحد أن يطفئ قنديل الحرية في وطننا لأن إطفاء هذا القنديل سيلقينا في الظلام، ويدخلنا إلى مغارة لا باب لها.
إن الحرية هي إرثنا الكبير في الكويت، وبفضلها استطعنا أن نقاوم غزو الغزاة... ونكسر سلاسل الحديد في أرجلنا...
الحرية هي مطلب الإنسان منذ أن كان الإنسان، ولا يمكنني أبداً أن أتصور إنساناً يضعون على شفتيه الأقفال، وهو الذي كرمه اللّه في كتابه الكريم بقوله: «ألم نجعل له عينين ولساناً وشفتين».
وإذا كان القدماء قد عرفوا الإنسان بأنه «حيوان ناطق»، فكيف نسمح لأنفسنا في الكويت، وفي بدايات القرن الحادي والعشرين، أن نلغي هذا التعريف بجرة قلم، لنعرف الإنسان بأنه «حيوان ساكت»... أو حيوان مرغم على السكوت... إن اللسان هو العضو المركزي في الإنسان وكل سلطة تفكر باستئصال ألسنة مواطنيها... إنما تشنق نفسها على أعمدة الجهل. وعلى هذا الأساس، فإن مشروع القانون المقدم إلى مجلس الأمة الكويتي، ليس سوى محاولة لوضع العقل الكويتي في قارورة وختمها بالشمع الأحمر.
وفي حين تتسع مساحة الحريات في الصحافة الأوروبية والأميركية، ولا توفر في تعليقاتها هيلاري، ولا ولي العهد الأمير تشارلز، لا نجد نحن في الكويت ما نتسلى به سوى أن نفش قهرنا في الصحافة والصحافيين.
إنني لأتساءل: هل صار اغتيال الصحافة الكويتية مطلباً قومياً؟ وهل صار الجهاد ضد أهل الفكر وحملة الأقلام هو أعلى مراتب الجهاد؟
لقد كانت الصحافة الكويتية في الستينات والسبعينات من أرقى صحف الخليج تحريراً، وتصنيعاً، وتقنية، بل كانت تأتي مباشرة من حيث الأهمية، بعد الصحافة اللبنانية.
ولم يكن لهذا الازدهار في نظري من سبب آخر سوى «الحرية». فعندما يكون هامش الحرية واسعاً، تدخل الصحافة عصرها الذهبي، وعندما يضيق هذا الهامش، تدخل الصحافة عصر الانحطاط.
إنني مع الصحافة الحرة، مهما كانت أخطاؤها.. فالحرية يمكن أن تصحح دائماً ذاتها... أما العبودية فهي قن «لا يسكنه سوى الدجاج».
وإذا كانت الحرية دائماً على حق، فهذا لا يعني انني مع حرية الانفلات، والتسيب والتخريب.
فالحرية هي وعي يتكون من داخل الحرية ذاتها... وليست أمراً بوليسياً يأتي من خارجها.
وما دام الصحافي يمارس «الرقابة الذاتية» على كتاباته، ويستلهم وجدانه القومي والأخلاقي، فلا خوف عليه من الانحراف.
إذاً، فلنقرأ الدستور الكويتي قراءة هادئة ومعمقة، لأن دستورنا هو المصدر التشريعي الذي يحمي حرية الرأي والفكر.
وكل محاولة للنيل من حرية الرأي، هي محاولة فاشلة للخروج عن النص.


> من كتاب «كلمات... خارج حدود الزمن»

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق