الخميس، 20 سبتمبر 2012

سعاد الصديقة

                                                               
بقلم: أ· د· هدى عبد الناصر


كان أول لقاء بيننا في منزلنا في منشية البكري بالقاهرة في بداية الستينات، كانت سعاد الصباح قد حضرت وعائلتها للإقامة في وطنها الثاني مصر، في فترة كان الشعور القومي العربي فيها جارفاً وكان الإحساس العميق بأننا كلنا - المئة مليون عربي في ذلك الوقت - ننتمي إلى وطن واحد·
وبمرور الوقت أصبحت سعاد صديقة للأسرة، شاركتنا أفراحنا وأحزاننا، إلا أن ما عمّق من هذه الصداقة وأكّدها هما الحيوية والطموح اللذان كانا من سماتها، فهي سرعان ما قرّرت إكمال تعليمها الجامعي، فالتحقت بكلية الاقتصاد والعلوم السياسية بجامعة القاهرة - وهي الكلية التي أتشرف بالانتساب إليها - وكان ذلك موضع تقدير وإعجاب من الجميع·
وعندما تخرّجت سعاد في كلية الاقتصاد لم تكتف بشهادة البكالوريوس، ولكنها صمّمت على الالتحاق بالدراسات العليا، ثم نالت شهادة الدكتوراه في الاقتصاد من إنجلترا·
إن سعاد الصباح بالنسبة إلي هي أولا الصديقة التي قاسمتنا فترة مهمة من حياتنا في مصر·
وهي ثانيا الشاعرة التي تستمد كلماتها المعبرة في قوة ورقة معاً من أعماق المرأة العربية، همومها وأحلامها وأمانيها، ممتزجة بمحدّدات بيئتها العربية، والتي نجحت في أن تُكون لنفسها نسقاً شعرياً خاصّاً·
فعبر دواوين شعرها المختلفة، أمنية، عام 1971، وإليك يا ولدي، عام 1982 وفتافيت امرأة، عام 1986، وفي البدء كانت الأنثى، عام 1988، وحوار الورد والبنادق، عام 1989، وامرأة بلا سواحل، عام 1995، قدمت سعاد لوحات شعرية متناسقة الألوان حاولت بها الخروج بالمرأة الشرقية إلى نور الحرية، وعابت فيها على الرجل تركيز اهتمامه بالمرأة الأنثى فقط، دون أن يبذل الجهد الواجب ليكتشف أبعاد إنسانيتها·
وهكذا أصبحت قصائدها رمزا جميلا من رموز القصيدة العربية، بما تحمله من أصالة وإبداع وتمرّد على المألوف من القوالب الشعرية، وبما تحمله من عفوية وتأنق معا، مما أكسبها اندماجاً فعليا بين أفكارها وواقعها المعاصر·
الوطن في شعر سعاد الصباح:
في الوطن عند سعاد يذوب الفرد في ضمير المجموع، فيسمو بمتطلباته، ويهتف بحقوقه، ويدافع عن منجزاته وعاداته وتقاليده، وماضيه وحاضره، بثت الشاعرة كل هذه المبادئ والمعاني عندما ناجت وطنها الكويت في قصيدتها (بطاقة معايدة لحبيبتي الكويت) قائلة:
هذه الأرض التي تدعى الكويت
هي عطر مبحرٌ في دمنا
ومنارات أضاءت غدنا
هي قلب آخر في قلبنا

وقد عبّر شعر سعاد عن مدى الحسرة والألم على ضياع الكويت، وكتبت قصيدة بعنوان (ثلاث برقيات عاجلة إلى وطني) بثّت فيها أحزانها، وآلامها:

يا من زرعتم في ضلوع شعبيَ الرماحْ
كيف بوسع عاشق أن يرفع السلاحْ
في وجه من يحبّهمْ
كيف بوسع العين أن تقاتل الأجفانْ

المرأة والرجل في شعر سعاد الصباح:
سعاد الصباح امرأة ذات قضية كمثيلاتها من النخبة من المثقفات العربيات، فضلاً عن كونها شاعرة أو فنانة· عتابها على الرجل الشرقي عتاب نابع من رغبتها في أن يتفهّم الرجل الشرقي عقل امرأته، هي تدعوه أن يكون صديقا قبل أن يكون حبيباً، وأن يرى فيها ذلك العقل الذي يحرّكها، فالمرأة الشرقية عند سعاد الصباح أحلامها بسيطة، احتياجاتها مشروعة، مطالبها محدودة، وقد عبّرت عن ذلك في قصيدتها (كُن صديقي):

إنني أحتاج كالأرض إلى ماء الحوارْ
فلماذا لا ترى في معصمي غير السوار
ولماذا فيك شيء من بقايا شهريار

فقصائدها تعبر عن رغبتها في إيجاد قاعدة للحوار والتواصل قائمة على الحب والتفاهم في علاقة لطرفين ليس لأحدهما فضل على الآخر، هي علاقة تأثير وتأثّر، وهذا ما وضحته سعاد الشاعرة في إحدى حواراتها الصحافية إذ قالت إنها لا تميزّ بين الرجل والمرأة ولكنها تميّز بين إنسان وإنسان، هي تهاجم التخلّف لا الرجل ولا المرأة، ومعركتها هي معركة التقدّم والتخلّص من “الأمية الحضارية”، قضيتها هي حقوق الإنسان العربي رجلاً كان أو امرأة·

أنا متعبة من ذلك العصر الذي يعتبر المرأة تمثال رخامْ
·· فتكلم حين تلقاني··
لماذا الرجل الشرقيّ ينسى حين يلقى امرأة نصف الكلام؟·
ولماذا لا يرى فيها سوى قطعة حلوى·· وزغاليل حمام··
ولماذا يقطف التفاح من أشجارها·· ثم ينام

هي أيضا تلوم المرأة العربية إذا ما أسهمت بدورها في ضياع قضيتها أمام الرجل الشرقي، تلوما إذا ما أخفقت في حل معادلة البناء الاجتماعي بينها وبين الرجل على جميع المستويات، المهنية والاجتماعية·
وهي تحثّ المرأة على العلم، فالعلم وحده هو سلاحها، فيه وحده تحقق ثروتها الحقيقة، وهو يحرّرها من قيود الاتكال على الرجل، يحرّرها من التقاليد والعادات الجامدة، “بالعلم تصبح المرأة شريكا كاملاً في الحياة”·
الشباب والطفولة في كتابات سعاد الصباح:
اهتمّت سعاد بالشباب اهتماما كبيرا، سواء في جملة اهتماماتها الأدبية، وحضورها المؤتمرات والمنتديات الشعرية والأدبية التي تضم عددا كبيرا من جيل الشباب المقدر لشعرها وفنها الإبداعي، أو في اهتمامها برعاية وتبني الإبداع الأدبي للأدباء الشبّان على مستوى الوطن العربي من خلال الجوائز المختلفة، وأهمها “جائزة الدكتورة سعاد الصباح للإبداع الفكري بين الشباب العربي”، في مجالات القصّة والدراسات الإنسانية والرواية والشعر، تلك الجائزة التي أسستها الشاعرة بالتعاون مع منتدى الفكر العربي والهيئة المصرية العامّة للكتاب بالقاهرة، ورصدت لها نحو 50 ألف دولار لتشجيع المواهب العربية الشابة·
أما الطفولة في كتابات سعاد الصباح الصحافية فهي الأرض الطيبة التي يمكن فيها زراعة كل الأحلام مستحيلة التحقيق، الطفولة عندها هي صناعة المستقبل، فالأمم والشعوب التي لا تصنع مستقبل أطفالها هي أمم وشعوب بلا مستقبل، ويؤكّد ذلك قولها في إحدى مقالاتها: “ازرع طفلاً صحيح الجسد والروح، وخُذ وطناً صحيح الجسد والروح”·
وانتقدت سعاد “التفرقة الطفولية” - على حد تعبيرها - التي تمارسها المؤسسات النقدية الدولية الكبرى ضد أطفال الدول النامية، انتقدت كذلك القمع الجنوني للطفولة في الأراضي العربية المحتلة، انتقدت الفارق الشاسع في الحقوق بين طفل الشمال وطفل الجنوب: “إنني لا أستطيع أن أكتب عن مدامعي حزنا على بعض الأطفال العرب الذين لا يعرفون ما هي الطفولة، ولم يروا في حياتهم شجرة، ولا بحراً، ولا عصفوراً”· كما قالت: “ليس من العدل أن ينام الطفل الشمالي على سرير من القطيفة، وينام الطفل الجنوبي على سرير من البكاء”·
علاقة سعاد الصباح بالاقتصاد والسياسة:
تؤكد سعاد أنه لا يوجد حاجز بين العلم والأدب، أو بين اختصاصها في علم الاقتصاد وبين هواية الشعر عندها، مشيرة إلى أن الإنسان لم يعد يعيش بمعزل عن جوانب الإبداع الموجودة في ثقافة المجتمع،  أو ثقافات المجتمعات الأخرى، فلا تعارض بين الاقتصاد كعلم حصلت فيه على أرفع الدرجات العلمية، والشعر الذي يمثّل لها مهرباً وملجأ من أزمات العالم ومشكلاته·
ولقد شغلتها هموم الوطن العربي وقضاياه السياسية الكبرى، وتأتي في مقدّمتها قضية الشعب الفلسطيني، فندّدت في كتاباتها الصحافية المختلفة بالاحتلال الصهيوني الغاشم للأراضي العربية المحتلة، والحصار الدائم لمخيمات الفلسطينيين في الضفة الغربية وقطاع غزّة، وانتقدت كذلك الاختلال الشاسع في ميزان القوى الاستراتيجي لصالح إسرائيل، وطالبت بالعمل على تحقيق توازن نووي في منطقة الشرق الأوسط، طالما يمتلك أعداؤنا هذا السلاح·
إن سعاد الصباح - مثل كل مثقّفة عربية تعيش قضايا أمّتها وتشارك بإيجابية في إحداث التغيير إلى الأفضل - تجسّد حجم الطاقات العربية الهائلة والكامنة فينا، إن استثمرنا جانبا من مواردنا في التنمية الاجتماعية والثقافية لمصلحة المرأة العربية على امتداد الوطن الكبير·

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق