الأحد، 23 سبتمبر 2012

عربة الحرية


| د. سعاد الصباح |

كان التاريخ يتحرك في «الاتحاد السوفياتي» السابق، وفي دول أوروبا الشرقية بسرعة مذهلة، وبشكل لم يكن يتوقعه التاريخيون أنفسهم.
والحقيقة أن الذي يتحرك هو عربة الحرية، التي بدأت تتدحرج بشكل متسارع، ولم يعد بوسع أي سلطة لجمها، أو أن تقف في طريقها.
فالنظرية الماركسية التي كانت تبدو وكأنها اليوتوبيا المثالية والجنة الموعودة للمعذبين في الأرض، بدأت تشهر إفلاسها، وأضاع ماركس مركز القداسة الذي أشغله قرابة سبعين عاماً.
لقد نادت الماركسية بسعادة الإنسان، ولكنها لم تسعده، ونادت برفع مستواه لكنها أبقته حيث هو، ونادت بحل قضاياه الغذائية والاقتصادية والإنمائية والثقافية، ولكنها لم تحل له أية قضية... وبشّرته بأنه سيكون حراً في مجتمع حر، ولكنه ظل مقموعاً من المهد إلى اللحد.
لقد انتظر الإنسان الماركسي سبعين عاماً، حتى يجلس إلى مائدة الطعام، وعندما جلس إلى الطاولة لم يجد شيئاً يأكله... إن ما يجري في بلدان أوروبا الشرقية سببه سقوط الحلم... وإفلاس النظرية.
فالنظرية في الكتاب وفي منشورات الحزب شيء، وهي في المزارع والمصانع والشوارع الخلفية شيء آخر.
وربما كان سبب مقتل الماركسية هو أنها اهتمت بالنظرية، ولم تهتم بتطبيقاتها البشرية، انشغلت بالنصر، ولم تدخل إلى المختبر، تصورت شكل الإنسان القادم ونسيت شكل الإنسان الحاضر.
هذا الدرس القادم إلينا من بلدان أوروبا الشرقية، هل قرأناه نحن العرب جيداً، وهل استوعبنا مضامينه؟ أم أننا كالعادة ضد أنواع الكتب، وعلى رأسها كتاب التاريخ. هل أدركنا أن قطار الحرية قد انطلق من محطته ولا سبيل لإيقافه لا بالسلاح ولا بوضع الحجارة على قضبان السكة الحديدية؟
هل أدركنا أن الحرية هي الحل الوحيد لكل ما يعانيه العرب من هزائم، وانهيارات، وشرذمة وتفكك؟
هل أدركنا أن الإنسان هو العمود الفقري الذي يحمل على كتفيه هذه الكرة الأرضية، وأن حرية الإنسان هي كالطاقة الشمسية لا يمكن لأحد أن يحجبها أو يمنعها من الإضاءة والانتشار؟


* من كتاب «كلمات... خارج حدود الزمن» 

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق