الأحد، 23 سبتمبر 2012

وحش جميل.. اسمه الكمبيوتر!!




 د. سعاد الصباح |

صار الكمبيوتر في هذا العصر جزءاً من تنفس الإنسان، وجزءاً من دورته الدموية... إنه كالساعة اليدوية، موجود في أيدي الصغار، والكبار، والمهندسين، ورجال الأعمال، وقائدي الطائرات، وملاّحي السفن، ورواد الفضاء.
لم يعد الكمبيوتر قطعة كمالية في حياتنا، بل صار جزءاً لا يتجزأ من أثاث المكاتب والبيوت... كالثلاجة... والغسالة الكهربائية... والتلفون... وجهاز التكييف.
فإلى أي مصرف، أو شركة تجارية، أو شركة طيران، أو جامعة، أو مدرسة، أو روضة أطفال، أو سوبرماركت دخلت... وجدت الكمبيوتر بانتظارك ليحل لك بكبسة زر خفيفة... كل مشاكلك بثانية.
إنه يختصر الوقت، ويختصر الجهد الإنساني، ويختصر المسافات، ويختصر ألوف السنين ببضع دقائق.
وبكلمة واحدة إنه فتاة من فتيات (الجيشا) اليابانيات، ينزعن عنك ثيابك، ومتاعبك، وهواجسك، ويغطسنك في حوض من المياه المعطرة، ويتولين إدارة أعمالك بالنيابة عنك.
طبعاً... هناك كثيرون مأخوذون بهذا الجهاز الياباني الخرافي، الذي يضع كل المعلومات الإنسانية بين يديك، ويجعلك تستلقي على الأرائك الحريرية، وتأكل العنب البارد من أصابع فتيات (الجيشا) كأنك هارون الرشيد.
أمّا أنا فلست كمبيوترية الهوى، ولا أعتقد أن الكمبيوتر مع المدى الطويل سيكون في مصلحة الإنسان... بل أذهب إلى أبعد من هذا فأقول إن الكمبيوتر سيقتل ذات يوم خالقه.
إن العلماء الذين اخترعوا الكمبيوتر لا يدرون، وهم في ذروة حماستهم وغرورهم، أنهم اخترعوا منافساً وعدواً لدوداً لهم، ومع الزمن، سوف يزداد ذكاء الكمبيوتر ويقل ذكاء الإنسان، وتمتلئ ذاكرة الكمبيوتر، وتفرغ ذاكرة الإنسان، ويصل الكمبيوتر إلى أعلى ذرى المعرفة، ويعود الإنسان إلى مرحلة الأمية.
والنتيجة الطبيعية من هذا الصراع المصيري على امتلاك المعرفة أن عقل الإنسان سوف يصدأ لقلة الاستعمال... وعقل الكمبيوتر سيتوهج ويزدهر لكثرة الممارسة... وعندئذ لا يبقى أمام الإنسان سوى أن يستقيل... أو أن ينتحر.
وأخطر ما في الكمبيوتر، أن طموحه يتجاوز منطقة الحسابات والأرقام، وتخزين المعلومات إلى منطقة الأحاسيس، والمشاعر، والرسم، والموسيقى، وكتابة الشعر. يعني أن الكمبيوتر يريد أن يلغي قلب الإنسان... ويأخذ دوره. وإذا حصل هذا، فهذا يعني أن جميع الشعراء والموسيقيين، والروائيين، والمسرحيين، والفنانين التشكيليين سيتوقفون عن الإبداع، ويصبحون عاطلين عن العمل.
أمّا العشاق، فإن حظهم لن يكون أحسن من حظ الشعراء لأن الكمبيوتر سيزاحمهم على كتابة رسائل الحب... ويسبقهم إلى مغازلة حبيباتهم، وربما يسبقهم في سرعة الزواج... وسرعة الإنجاب.
إنني لا أقص عليكم مناماً سوريالياً، أو فيلماً من أفلام الخيال العلمي، ولكنني أقول لكم إنني خائفة... خائفة... من هذا الوحش الياباني الجميل الذي بدأ يتسرب رويداً رويداً إلى بيوتنا... حتى صار أطفالنا، إذا سألناهم، ماذا تريدون بمناسبة عيد ميلادكم؟ يجبون دون تردد: Computer... Please.
ربما يخطر ببالكم أن تقولوا انني ضد الحضارة... وضد التطور، وضد الامبراطور هيروهيتو.
وأحب أن أطمئنكم أنني مع الحداثة، ولكنني أرفض بكل قوة اغتيال عقل الإنسان... واغتيال قلبه.

* من كتاب «كلمات... خارج حدود الزمن»

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق