الخميس، 27 سبتمبر 2012

تساؤلات عاشقة



| د. سعاد الصباح |


عصفورة مرهقة متعبة... أنا... تطاير ريشها عبر المحيط أبحث عن غصن شجرة خضراء، أو صفراء أو عن قطرة ماء.
ما الذي يشتهيه الطفل داخلي أكثر من يد حنونة تمسح دمعة حائرة عن وجنتيه المتوردتين بالقلق والحياء...
ما الذي تشتهيه الصبية في أعماقي أكثر من أن تجدل لها شعرها الليلي المتناثر على قارات العالم... وتزرع في أعماقه وردة بيضاء.
ما الذي تتمناه العاشقة الطالعة على الدنيا أكثر من عاشق تهرب من عينيه إلى عينيه، ومن يده اليمنى إلى يده اليسرى، ومن قلبه إلى قلبه، ومن عقله إلى عقله، ومن حاضره إلى الذاكرة، ومن الخاصرة إلى الخاصرة.
ترى هل يتبلل الصغار بماء العشق؟
وهل تفتح لهم نوافذ الجنون فيقطفون الورد المعربش على بوابات القلب...
هاربين من الوله الذي يستوطن ضفة العينين
في ليل المدن الملون بنفايات الحضارة
وفي الفجر الرمادي اليتيم...
من دونك... من أنا؟
عين ضيعت أهدابها...
وقرنفلة تبحث عن رائحتها...
وغابة احترقت أشجارها
وأنثى تبحث عن كتف رجل تتكئ عليه.
استحضرك في ذاكرتي مبللاً كالبنفسج...
وأمارس طقوس عشقي الأبدي لك
فيتساقط ذهب الشمس من صوتك...
ويعلو صوت البلابل... ويتحول الفجر الأناني إلى لوحة ألوان، ومعرض أزهار
وكأن العمر في بداياته الأولى، ألملمه كي أعلن انتصاري على النهار...
استحضرك لأنك الملح الذي يحفظ ذاكرتي من التعفن... ويحفظ تاريخي من الاندثار
أنا من غيرك مجرد إشاعة...
وأنا من غيرك كذبة كبيرة تبثها صحف الصباح...
وأنا من غيرك لغة من غير حروف
وأنا من غيرك بحر تخلّى عن معطفه الأزرق...
فشكراً لك لأنك أعطيت لليل عينيك، وتركتني أتجول فيهما، فمساحة عينيك غطّت ليل الغربة...
شكراً... فتراثك العاطفي المخزون تحت جلدي، يشعل حطب الذاكرة فيدفئني، وأنا أواجه صقيع المستشفى... ويعطيني مفاتيح الأمان، وأنا أواجه الأطباء.
في هذه القارة المترامية الأطراف، والمتعددة الأجناس والأديان، والمعتقدات، والألوان، واللهجات دخل الإنسان فيها ماراثون تحطيم الرقم القياسي للسرعة، واخترت أنا فيها مكاناً قصياً كل ما حولي مرسوم بالأخضر... إلاّ أنني أشعر بالتصحر كأنني أعيش فوق بحر شديد الملوحة...
فكيف أشجر صحراء نفسي وقد أكلني الملح؟
ملوحة الأسئلة... وملوحة القلق... وملوحة البعد...
أعود للمكان المصبوغ بالبياض، القلوب البيضاء، والأسرة البيضاء... والحيطان البيضاء، وعيون الرحمة والمودة التي تعانق وجعي... وتحاول تخضير ساعات يومي، وقتل ساعات ليلي.
ما أعظم الإنسان عندما يكون إنساناً..
هذا هو سر التفوق.



* من كتاب «كلمات... خارج حدود الزمن»

هناك تعليق واحد:

  1. بحر من الحب يا استاذة سعاد
    تتقلب امواجه فى شغاف القلب فتخرج اعترافات
    للحبيب ونداءات على الحبيب وذكريات مع الحبيب
    كانها تجدد الحب و تستدعى هذه الايام الجميلة
    التى ملئها الصدق والاخلاص
    محمد جادالله محمد

    ردحذف