الاثنين، 24 سبتمبر 2012

كيمياء البشر




 د. سعاد الصباح |

أكتشف نفسي... أكتشف كيمياء البشر

أسمِّي الأسماء بأسمائها
أرفض أن أبقى مسالمة كوردة أو كعصفور يقتل
أحمل اسمي على ظهري وأرحل
أصنع من الحاضر شمساً... وأستعير أقدام المستحيل
فالعالم لا ينتظر من لا يأتي
فالحجر يظل حجراً لا يتحرك
والأملُ إذا لم يظلله التفاؤل يقتله اليأس
أتوسدُ صدرَ الليل وأنامُ خفيةً في عيون قمر لا يأتي
وأترك هواجسي عند أقدام الصباح
ألملم نفسي أسافر من غير موعد
فلا زمان ينتظرني.. ولا مكان يستقبلني
أبعثر الزمن... وأركب صهوة السحاب، وأعيش في ذاكرة الرياح
أمحو الماضي... أقتلع الجذور... وأفتح دروباً كالسراب تلهث وراءَها العقول
أعجن هذا العصر الهلامي، وأنثره على سواحل النسيان
أضحك وأبكي من هذا الزمن الرملي
وأدخل في شريان المستقبل أوقد شمعتي
أنتظر سقوط شلال الدهشة من عالم آخر
وأبقى سجانةً وسجينةً داخل نفسي
كلُ شرايين هذا العصر مقفلة... مبعثرة ولا شيء يجمعها غير الخرافة
أستأصل الوجع... أغسل عقلي مما ترسب به من مخلفات
أفتح نوافذ الاجتهاد، أحافظ على داخلي نظيفاً وبريئاً كطفل
أقطع صلتي بمن قبلي وأحيا مع نفسي
أخترق حاجزَ الزمان والمكان
أتخذ من ابتسامة أحفادي أوراقاً أكتب عليها
ومن براءة عيونهم حبراً... ومن حكاياتهم ثوباً أرتديه
أغسل نفسي في ضوء براءتهم
وألملم دموعهم ورقاً كي أسجل عليه جنتي وجحيمي
أخترع شيطاناً وملاكاً وأدخل معهما في سباق لا ينتهي
للأرض أجنحة كما للعصفور
وللسماء دموع كما للأطفال
ولنفسي هواها... وللماضي ذاكرة غبية
أسجن السماء في قبضتي، وأطلق سراحَ الأرض
كي أجعل العالم يركب موجةَ المدنية
ويرحلَ بعيداً على عيون الجاهلية الجديدة
يمتزج دمُ التاريخ بدمي
تصرخ أوراقي تعلنُ عصيانَها... وأنا أنسج ثوباً مائياً كي تلبسه مدنُ الغبار
الدم طازج على دفاتري... ولعنات أهل الكهف تتبعني... وآهات أمي وأبي
أقتل وطن الخوف في داخلي...
وأخترع وطناً جديداً لا يسيجه الضيَاع... ولا تلفه الحيرة... ولا يسكنه الرعب ولا يمشي إلى الهاوية... له قامة السحاب... وامتداد الأفق...
على عجل أنا... والوطن يتبعني ناشراً أسراره بين عيني
فاتحاً جرحاً نازفاً حاملاً الزمن الرمادي على نقالة الموتى... حارقاً التاريخ وكتب الغبار
أحطم في داخلي الآلهة التي صنعتها والتي أخذت شكل الوثن
أمزق كل نص يربطني بالجاهلية الجديدة... وأنزع من جلدي وشم القبيلة النائم في سكينة الموتى
تجذبني نحو ساحل الموتى... وأنا
أفر نقية إلى حقول المعرفة من رماد أيامنا الماضية
وألمح بين أسوار السجن وأسوار المنفى خريفاً تتساقط أوراقهُ فوق جراحنا
ما من شجرة أو جدول أو وردة ما تعذبت...
عقولنا آنية يثقبها الرعب... وجرح تناثر عليه الملح... وصحراءُ بلا شجرة أو نبع ماء
وجبالُ يسكنها الشوك، والشك.



* من كتاب «كلمات... خارج حدود الزمن» 

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق