الأحد، 23 سبتمبر 2012

حلم ليلة صيف


| د. سعاد الصباح |

للمرة الأولى - يقرر قادة الأمة العربية في مؤتمر القمة الاستثنائي الذي عقدوه، أن (يكونوا عرباً) بكل ما تعنيه كلمة العربي من رجولة، وشجاعة واقتحام.
وللمرة الأولى، يتخلون عن بلاغتهم التقليدية، وتشابيههم، واستعاراتهم ويخاطبون العالم باللغة التي يفهمها... بعد أن ثبت لهم، أن لغة بديع الزمان الهمذاني، والجاحظ، ومقامات الحريري، لن توصلهم إلى أي مكان...
وربما، للمرة الأولى في تاريخهم الحديث، يتخلص العرب من عقدة الخوف الأميركية أو بتعبير أكثر دقة، من عقدة الانبطاح الأميركية ويبصقون الحصاة في وجه الكونغرس الأميركي، فحملته المسؤولية الكاملة عن الوقوف وراء إسرائيل منذ ولادتها في 15أيار (مايو) عام 1948، وإغراقها بالمال والسلاح والمساعدات الاقتصادية حتى أسنانها، بحيث تستطيع أن تهزم العرب مجتمعين... وأن تبيد الشعب الفلسطيني كخطوة أولى، والانقضاض على الشعب العربي كخطوة ثانية.
لقد أصبحت الولايات المتحدة في مجلس الأمن الدولي هي محامي الشيطان الذي يقلب الحق إلى باطل، والباطل إلى حق. حتى أصبح استعمال «الفيتو» من حقوق الشعب العربي الفلسطيني عادة أميركية يومية.
ولو لم يكن لمؤتمر القمة، سوى إنجاز واحد، هو إسقاط ورقة التين عن جسد الإدارة الأميركية، لكفى...
إن تسمية الأشياء بأسمائها، كان لابدّ منها، لوضع حدّ لهذا التداخل العضوي بين جسدين هما في الحقيقة جسد واحد... ولفصل هذا التوأم الإمبريالي الملتصق، الذي نصفه إسرائيلي... ونصفه أميركي...
لقد تأخر العرب كثيراً في إجراء هذه الجراحة الضرورية لفصل الوجه عن القناع، ولجأوا طويلاً إلى الأدوية الخارجية، والمسكّنات الدبلوماسية دون جدوى...
وها هم الأطباء العرب، وبعد «كونسولتوطبي»، يقررون أن يستعملوا المشرط، لاستخراج الطرْح من بطن الولايات المتحدة الأميركية...
ولكنني سألقي الضوء على بعض النقاط المهمة والجديدة في هذه المقررات:
أولاً: استطاع المؤتمر، أن يضع ميزاناً دقيقاً يحكم علاقات الدول العربية بالعالم، رابطاً إياها بمواقف الدول الأجنبية من القضية الفلسطينية، ومن مسألة الهجرة اليهودية.
وهكذا لم يعد هناك محل للعواطف، والمجاملات، والرومانسية السياسية على حساب القضايا العربية الكبرى.
فمن يختار جانب إسرائيل، ويصوّت معها في المحافل الدولية، ويقويها بالمساعدات المالية والاقتصادية والتكنولوجية، فإن عليه أن يعرف مسبقاً أن أبواب العالم العربي كله سوف تكون موصدة في وجهه.
وهكذا، فإن الدول العربية مجتمعة، ستكون قادرة على تطبيق مبدأ الثواب والعقاب، مع كل دولة تفكر في اختراق أمنها القومي، واللعب على حبال الازدواجية.
ثانياً: ومن أجمل وأعمق النصوص في البيان الختامي للمؤتمر، هو ذلك النص الخاص بحق الشعب العربي، غير القابل للتصرف في التنمية الشاملة، واستخدام منجزات العلم والتكنولوجيا لصالح المواطن العربي والإنسانية جمعاء.
لقد أدرك المجتمعون، أن التحدي الأكبر الذي تواجهه الأمة العربية، هو تحدٍ علمي وحضاري لكسب رهان المستقبل، والإسهام الفاعل في إغناء الحضارة الإنسانية.
فالعقل الاستعماري، يريد أن يحتكر لنفسه كل مصادر المعرفة، ويترك شعوب العالم الأخرى، في حالة جهل وتخلف.
إن العقل العربي، في نظر الغربيين الجدد، ممنوع من الإبداع، وممنوع من الخلق، وممنوع من دخول القرن الحادي والعشرين، وهو مسلح بكل المعارف الكونية التي تسمح له بالمشاركة في صنع المستقبل.
ثالثاً: وإذا كان الأمن القومي العربي هو المفصل الرئيسي الذي تحرك حوله مؤتمر القمة، فإن قادة الدول العربية أدركوا، أن النار التي تقترب من البيت العربي، تهدد الحيّ العربي بأكمله، بل تهدد التاريخ العربي، والجنس العربي، والأجيال العربية القادمة بلا استثناء.
ولأن الخطر الذي يحاصر الأمة العربية، ليس خطراً قطرياً، أو فردياً، أو عائلياً، فقد اعتبر المؤتمرون أن الأمن القومي العربي هو سلسلة متداخلة لا تتجزأ ولا تنفصم، وأن انكسار إحدى حلقات السلسلة، يعني انفراط كل أجزائها...
وبعد... وبعد...
فقد دخل العرب إلى المؤتمر، وهم يتكلمون إحدى وعشرين لغة... ويتحدثون بإحدى وعشرين لهجة... ثم خرجوا وهم يتكلمون لغة واحدة... ولهجة واحدة.
دخلوا... وهم يحملون إحدى وعشرين سنبلة... وخرجوا وهم حقل لا نهائي من الحنطة.
دخلوا... وهم متفرقون كالأمواج، ومتناثرون كالزبد... وخرجوا وفي أصواتهم هدير البحر، وغضب المحيط الكبير...
دخلوا... وهم يلبسون إحدى وعشرين عباءة... وخرجوا وهم يلبسون عباءة واحدة من القصب نقشت عليها أسماء اللّه الحسنى.. وشعارات الوطن العربي الكبير.
فقد اقتنع حكماء العرب أن الحكمة دائماً ليست أفضل الطرق لدخول الجنة... وأن النظرية التي تقول إن قوة العرب في ضعفهم هي نظرية سخيفة... وانهزامية... وأن العالم، منذ أن كان العالم، لا يحترم إلا القادرين، والأقوياء، والشجعان، الذين يضعون أرواحهم على أكفهم... ويضربون بقبضاتهم نوافذ المستحيل.
استيقظت من نومي... وإذ به حلم ليلة صيف.
* من كتاب «كلمات... خارج حدود الزمن» 

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق