الاثنين، 11 فبراير 2013

سعاد الصباح.. درة عربية نادرة



                    

بقلم د. يحيى الجمل*


هي حقيقة لا أثر فيها للمبالغة، أن سعاد الصباح بكل المعايير هي ظاهرة عربية نادرة .
ومنذ زمن غير قصير وأنا أصف سعاد الصباح بأنها ظاهرة عربية فريدة، فما عرفنا من سيدات العرب – بل ولا من رجالهم – من ينفق آلافاً مؤلفة من الدولارات على القضايا القومية في غير ضجيج  ولا صخب . إن منظمات عربية تعمل في مجال حقوق الإنسان قامت واستمرت لأن سعاد الصباح بذلت لها وفي سبيلها من المال ما لو استثمرته لكان شيئاً كبيراً، وما لو منعته ما قامت هذه المنظمات أصلاً، ولكنها أدركت أنها بهذا الاستثمار في هذا المجال إنما تقدم لأمتها ولأجيال معاصرة وأخرى لاحقة مثلاً بشرياً نادراً، مثلاً يقول إن العطاء من أجل العمل العام ومن أجل حقوق الإنسان ومن أجل المثل العليا ليست خصالاً مقصورة على الغرب المستنير وحده، وإنما هي خصال يمكن أن توجد حتى في هذه الأرض التي ندر أن تنبت في ظروفها الحالية نبتاً طيباً، ومع ذلك فقد أنبتت هذا النبت الأصيل الجميل الطيب : سعاد الصباح .
عرفتها وهي طالبة تسعى إلى العلم في كلية الاقتصاد والعلوم السياسية ووجهها الجميل تكسوه مسحة من نبل ومن حزن، ويختلط النبل والحزن في العينين العربيتين الجميلتين، فتوحيان إلى من ينظر إليهما بكل المعاني السامية الجليلة . ثم



عرفتها بعد ذلك تلقي بظلالها الوارفه وتمدّ يدها الحانية إلى الحركات المخلصة في المجتمع المدني العربي فترعاها وتشد أزرها وتغدق عليها في غير منّ ولا خيلاء.
ورأيتها ونحن نضع حجر الأساس للمنظمة العربية لحقوق الإنسان في " ليماسول" المدينة الجميلة بقبرص عندما ضاقت علينا الأرض بما رحبت ولم نجد فيها مكاناً نجتمع فيه لنعلن إنشاء المنظمة العربية لحقوق الإنسان التي أوت إلى القاهرة بعد ذلك ولم تجد داراً تستقر فيها إلا بعد أن اشترت لها سعاد الصباح من حر مالها داراً وهبتها للمنظمة.
وأرادت أن تنشىء داراً للثقافة والنشر تشجع ذوي المواهب المتفتحة وترعى النبوغ الواعد وتمد يد العون للحفاظ على التراث، ورغم ما صادفته من عقوق وهي تبني هذا الصرح إلا أنها استمرت في البناء الذي أصبح منارة عربية شامخة تضيء في كل أرجاء الوطن العربي . ترعى المواهب الراسخة والمواهب الناشئة وتحمي التراث أن يضيع.
من يستطيع أن يفعل مثل هذه السيدة الماجدة . قليلون نادرون، ومن هنا فإني عندما أطلق عليها ظاهرة عربية نادرة أو درة عربية نادرة، لا أعدو الحقيقة في شيء، ولست أرجـو مـن الله شيئاً من أجلها إلا أن يمتّعهـا بالصحة والسعادة التـي تستحقهـا لقاء ما قدمت لأمتها ووطنها، ولقد قدمت – وأنـا على ذلك من
الشاهدين – الكثير الكثير.          

ولن أتحدث هنا عن سعاد الصباح الأديبة ولا عن سعاد الصباح الشاعرة : فهذا حديث يطول وقد أعود إليه في يوم آخر، وإنما يكفيني هنا أن أتحدث عن سعاد الصباح المعطاءة، عن سعاد الصباح المثل، عن سعاد الصباح الإنسان نادر المثال.



*نائب رئيس مجلس الوزراء المصري الأسبق، عميد كلية الحقوق، جامعة القاهرة

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق