الأحد، 17 فبراير 2013

"لحظة حرية"

 سعاد الصباح عليك العافية..



بقلم: غادة السمان







 على شاطيء البحر البيروتي كنا  الصديقة " ليلى الحرّ" وأنا نستعرض أخبار الأحباب، حين علمت أن الصديقة الشاعرة سعاد الصباح مسافرة للعلاج.
لم أتوقف طويلاً عند الخبر، فأنا أعرف أن سعاد الصباح.. مقاتلة شجاعة، وقلت لنفسي: ستهزم المرض سريعاً وتعود، وهكذا نسيت الحكاية.

ومنذ أيام قرأت في باريس كلمة للأستاذ علي أحمد البغلي وزير النفط الكويتي السابق كتب سطوراً جميلة من قصيدة للدكتورة سعاد الصباح كانت قد نشرتها جريدة القبس الكويتية، وكتب معلقاً عليها "ذلك العزف المنفرد على ربابة كويتية" لشاعرتنا المجيدة الدكتورة سعاد الصباح شفاها الله وعافاها وأفرحنا برجوعها قريباً إلى أرض الوطن.

أحببت كلماته الرقيقة ولكنني فوجئت أيضاً بها. إذن سعاد لا تزال مريضة منذ أسابيع ؟ إنها السيدة التي يسيل الضوء من أصابعها، إننا نفتقدك فعودي إلى جحيمنا، واشهري أبجديتك في وجه البشاعة كلها التي تحيط بنا و" القبائل التي تعودت أن تئد النساء"، على حد تعبيرك في قصيدتك الأخيرة حيث تقولين :


أنا من الخليج غزالة من بين الغزلان التي تولد في الصحراء
تعشق في الصحراء، تموت في الصحراء
أسير طول الصيف والشتاء
حافية باحثة عن نخلة، عن ثمرة خضراء
فلا أرى حولي سوى قبائل
تعودت أن تئد النساء
أن تأكل النساء

حين أفتقد الذين أحبهم أعود إلى كتبهم لأستحضرهم كأية ساحرة شكسبيرية تلتقي بأعزائها حين تشاء . . . وهكذا عدت إلى كتاب جميل كانت الأخت العزيزة الشاعرة سعاد الصباح قد كتبت لي اهداءً رقيقاً على صفحته الأولى وطالعت فيه تلك السطور المتحدية:
يقولون أن الكلام امتياز الرجال فلا تنطقي
وإن التغزل فن الرجال فلا تعشقي
وإن الكتابة بحر عميق فلا تغرقي
وها أنذا قد سبحت كثيراً وقاومت كل البحار ولم أغرق

أيتها الأخت الغالية لست بقلقة عليك، فأنا أعرف أنك ستقاومين أيضاً بحار المرض ولن تغرقي، كل ما في الأمر أن غيابك خلّف فراغاً في دنيا أدبية كنت تشيعّن فيها وداً ووفاءً، وحياة وندوات، ومعارك ثقافية وحروباً بصورة مقابلات صحفية ولقاءات تليفزيونية وقصائد مشاكسة، وشجاعة تسيل عذوبة وحزناً ونضارة .
. . هذا كله نفتقده بقدر فرحتنا بقصيدتك الأخيرة التي تسجلين فيها موقفاً منحازا للمرأة في وجه "المنتصرين" عليها أينما كانوا، فانتصارهم هذا هزيمة في وجه المستقبل العربي كله.

أيتها المرأة النفطية التي تطلع كالخنجر من تحت الرمال، تتحدى كتب التنجيم والسحر وإرهاب المماليك وأشباه الرجال، كما تقولين في قصيدة لك، نحن بانتظارك فعودي لنتابع حروبنا دهراً بعد آخر ونستمر طويلاً راكضين فوق الرمال، والدماء تسيل من جراحنا سطوراً مكتوبة حتى ولو صرنا الديناصورتين الأخيرتين في الحديقة "الجوراسية" العربية.

لست بقلقة عليك يا سعاد . . . فأنا شخصياً لا أعود إلى سطح الماء إلا بعد أن ألامس القاع.          



- عن مجلة الحوادث اللبنانية




ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق