الثلاثاء، 5 فبراير 2013

سعاد الصباح: رحلة بحث دائب عن المعنى - بقلم : عبدالله النديم - القاهرة



بقلم : عبدالله النديم - القاهرة



تعد التجربة الشعرية للشاعرة الدكتورة سعاد الصباح من أبرز التجارب الشعرية الكويتية وأكثرها حضورا وقوة وخصوصية وهذه المختارات التي صدرت في كتاب بتقديم الناقد الدكتور محمد عناني, مختارات مقترحة.. سعاد الصباح (تمثل الرحلة الابداعية للشاعرة حتى الآن) (مختارات من عشرة دواوين مرتبة ترتيبا زمنيا وتتضمن نماذج من شعرها منظوما ومنثورا على مدى أربعين عاما تطور فيها العطاء وتنوع وازهر فيها فأثمر واينع وذاع صيتها على امتداد الوطن العربي الكبير. وقد حاول النقد الأدبي على غزارته وعمقه واتساع نطاقه ان يواكب ركب الابداع فكان أول اعتراف بعبقريتها يتمثل في الترجمة الى الانجليزية التي قامت بها دكتورة نهاد صليحة عميد المعهد العالي للنقد الأدبي عام 1990م بمقدمة الدكتور سمير سرحان ثم توالت الدراسات عن الشاعرة منها (فاضل خلف ـ بيروت 1992) وعزة ملك ـ باريس 1992) سمعان بدير الصيداوي ـ باريس 1992) محمد التوينجي ـ الكويت 1993, (بيار ريشا ـ باريس 1993) اسمعان بدير الصيداوي بالفرنسية ـ القاهرة 1993), دكتور نبيل راغب ـ القاهرة 1993, سعيد فرحات بلال خير بك ـ بيروت 1994, (فضل الاميل ـ بيروت 1994), محمود حيدر, بيروت 1994, (اسماعيل اسماعيل مروة ـ بيروت 2000) عبداللطيف الأرناؤوط ـ بيروت 1995), (برهان بخاي ـ بيروت 1999), الى جانب المقالات والدراسات المتناثرة في بطون الكتب والمجالات السيارة, وقد تنبه الكثيرون الى الظاهرة الفريدة التي تمثلها سعاد الصباح باعتبارها امرأة لا تكتب أدبا نسائيا بل أدبا إنسانيا راقيا يتخطى حدود التمييز بين الرجل والمرأة وان كان البعض قد شغلته الثورة الفكرية للشاعرة فجنح الى تأكيد القضايا التي تصدت لها سواء أكانت قضايا المرأة العربية ام قضايا الأمة العربية ولهم في ذلك بعض العذر ولكن التركيز على القضايا مهما بلغت ثوريتها يظلم الشاعرة فكأنه هو ترجيح للفكر على الفن او اعلاء لقضايا الحياة على قضايا الشعر وليس هذا من الانصاف.
القلب الذي يفكر
ويؤكد الناقد الدكتور محمد عناني ان الشاعرة تمثل التلاحم بين الفكر والفن والتواصل والعمق بين الحياة والشعر وذلك هو المثل الأعلى الذي حققه الشعراء, على امتداد تاريخ الإنسانية ويضيف الدكتور محمد عناني وهو يتجلى ناصعا في دواوينها, ويعلن بكل قوة عما يسميه (ماثيو ارنولد) بالتقاء قوة اللحظة مع قوة العبقرية الفردية, او عن التمازج الحميم بين العقل والقلب والذي امتدحه ت. س اليوت في شعراء مطلع القرن السابع عشر في انجلترا وافتقده فيمن تلاهم من شعراء الكلاسكية, أي ان شعر سعاد الصباح تتشابك فيه خيوط الأفكار مع خيوط الاحاسيس تمازجا لا يسمح بالفصل والتميز, فترى في كل صورة هذا القلب الذي يفكر (اذا استعرنا تعبير وردزورث) وذلك الذهن الذي يشعر (بتعبير شيلي) في وحدة متجانسة تستقي من التراث انغامه ومن الحياة المعاصرة ملامح ودلالات جديدة منوعة وبالغة الثراء.
الميلاد والموهبة
ولدت سعاد الصباح عام 1942, وهي الابنة البكر لوالدها الشيخ محمد صباح الصباح الذي حمل اسم جده الشيخ محمد الصباح حاكم الكويت من 1892 الى 1896 وتلقت علومها الأولية في مدرسة الخنساء بالكويت وفي ثانوية المرقاب للبنات بالكويت واقترنت في عام 1960 بالشيخ عبدالله مبارك الصباح نائب حاكم الكويت, والقائد العام للجيش والقوات المسلحة وحصلت على شهادة البكالوريوس في الاقتصاد من كلية الاقتصاد والعلوم السياسية بجامعة القاهرة عام 1973 ثم حصلت على الدكتوراه في الاقتصاد من انجلترا عام 1981 وكان انشغالها بقضايا المرأة قائما منذ البداية اذ كان عنوان رسالتها بالانجليزية عن التخطيط والتنمية في الاقتصاد الكويتي يتضمن دراسة عن دور المرأة كما كانت أولى دواوينها تفصح عن التمازج الذي برز بجلاء في اعمالها التالية, بين صوت الفرد وصوت الأمة, فأصدرت في صدر شبابها ولما تبلغ العشرين ديوان (ومضات باكرة عام 1961) ولم تلبث ان اصدرت ديوانا آخر قبيل دراستها الجامعية اذ تبلور حسها المرهف وتوهج, فأصدرت ديوان أمينة 1971 الذي جمعت فيه قصائد تنبىء عن مولد عبقرية شعرية فريدة, وتفصح عن صوت أصيل متميز, في وقت كان فيه الشعر الجديد في الوطن العربي يمر بمرحلة حاسمة، اذ كانت حركة هذا الشعر قد اقتصرت عند البحور الصافية أي التي تعتمد على تفعيلة واحدة متكررة وشاع الرجز وهو البحر الذي يقترب كثيرا من النثر لكثرة زحافاته وعلله, وازدهر الخبب الذي يعتبر الصورة الحديثة للمتدارك.
وتتوالى الابداعات
ويضيف الدكتور عناني انه توالت بعد ذلك داوين الشاعرة التي اثبتت قدرتها في التعبير وفي التصوير وفي البناء المحكم فانطلقت حتى في غمرة حزنها على فقدان ابنها في ديوان (اليك يا ولدي 1982) تتغنى البحث عن المثل الأعلى, ناشدة الكمال والاكتمال, حتى جاءت ثورتها التي الهبت الأكف بالتصفيق لها على امتداد الوطن العربي حين اصدرت ديوانها الثوري (فتافيت امرأة) عام 1986م وهو يضم قصائد منثورة الى جانب القصائد المنظومة فكأنها تعلن التمرد على قوانين النظم التي وضعها الرجل, وهو التمرد الذي بلغ أوجه في آخر دواوينها المطبوعة وهو (القصيدة أنثى والأنثى قصيدة) عام 1999, وقد يكون من قبيل المصادفة ان يبدأ هذا التمرد العروضي مع التحول المعروف في حركة تمرد المرأة المعروفة باسم (الحركة النسائية الجديدة في العالم) وهو التحول الذي جعلها تحول العناصر السلبية (أي عناصر الاعتراض على أوضاع المرأة في المجتمع) الى عناصر ايجابية تتجلى في الإبداع الأدبي النسوي ولكن الباحث المدقق سوف يجد ان للتمرد جذوره الفنية العميقة, فقصيدة النثر الجديدة تكسر النظم عمدا وفي مواقع محددة لتغيير نقاط التركيزالشعري.

المصدر:
http://www.anhaar.com/arabic/index.php/permalink/725.html

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق