الأربعاء، 17 سبتمبر 2014

القصيدة السوداء شعر: د. سعاد الصباح

القصيدة السوداء

-1-

كم غيَّرتني الحربُ.. يا صديقي
كم غيَّرتْ طبيعتي
وغيَّرت أنوثتي
وبعثرت في داخلي الأشياءْ
فلا الحوارُ ممكنٌ
ولا الصراخُ مُمكنٌ
ولا الجنونُ ممكنٌ
فنحن محبوسانِِ في قارورةِ البكاءْ...






-2-
قد كسرتني الحربُ يا صديقي
ولخبطتْ خرائطَ الوجدانْ.
وحطَّمتْ بوصلَة القلب،
فلا زَرْعٌ . .
ولا ضَرْعٌ . .
ولا عُشبٌ . .
ولا ماءٌ . .
ولا دفءٌ . .
ولا حنانْ . .
قد شوَّهتني الحرب ُ يا صديقي
والحربُ كم تُشَوِّهُ الإنسانْ . .
فهل هناك فرصة ٌ أخرى..لكي تُحِبَّتي ؟
وليس في عينيَّ إلا مَطَرُ الأحزان...

-3-

ياسيَّدي:
ماعدتُ بعد الحربِ..أدري منْ أنا؟ . .
أقِطَّة ٌجريحة ٌ؟
أم نجمة ٌ ضائعة ٌ؟
أم دمعة ٌ خرساءْ؟
أم مركبٌ مِنْ ورق ٍ
تَمْضُغُهُ الأنواءْ؟
أين تُرَى سنلتقي؟
وبيننا مدائن محروقة ٌ
وأمَّة ٌ مسحوقة ٌ . .
وبيننا داحِسُ والغَبْراءْ . . .
فهل هناك فرصة ٌ أخرى
لكيْ تُحبنَّي . .
من بعد ما حوَّلني الحزنُ إلى أجزاءْ . .
قد سرقنني الحربُ مِنْ طفولتي
واغتالتْ ابتسامتي . .
ومزَّقتْ براءتي
واقتلعتُ أشجاريَ الخضراءْ . . .
فلا أنا بقيت من فصيلة الزهور..
ولا أنا بقيتُ من فصيلةِ النساءْ . .
فمن ترى يُقنِعُني؟
أنَّ السماءَ ام تَزَلْ زرقاءْ؟
وأنّنا . .
في زمن ِ التلوُّث الروحيِّ . .
والفكريّ . .
والقوميِّ . .
يمكن أن نظلَّ أصدقاءْ؟؟

-4-
ياسيِّدي :
لستُ أنا جزيرةً السَّلاَمْ
ولا أنا الأنثى التي كان على أجْفانها
يستوطِنُ الحَمَامْ . .
ولا أنا . .
نافورةْ الماء . .
وسيمفونيَّةُ الرُّخامْ . . .

ياسيِّدي :
قد يَبسَ العُشْبُ على شفاهِنَا
وانكسَرَ الكلامْ . .
فكيف نسترجعُ أيامَ الهوى؟
ونحنُ مدفونانِ . .
تحت الوحل ِ والرُّكُامْ . .


-5-
يا سيِّدي :
أنا التي غيرُ التي تعرفُها
ذاكرتي مثقوبةٌ
فلا التَّواريخُ على جدرانِها باقية ٌ
ولا العناوينُ . . .
ولا الوجوهُ . .
والأسماءْ . .
أين ترى نذهبُ ، يا صديقي؟ .
وما هناكَ بوصة ٌ واحدة ٌ نملكُها
في عالم ِ الأرض ِ ،
ولا في عالم ِ السّماءْ . . .
وما الذي نفعلُ في بلادِ؟
يَصْطَفُّ فيها الناسُ بالطابور ِ . .
كي يَسْتَنشِقُوا الهواءْ !!


-6-
يا سيِّدي  :
لكم ْ أنا أشعُرُ بالإحباطِ،
والدُّوار . .
والإعياءْ..
فلا تؤاخذني على كآبتي
إذا قرأتَ هذه القصيدةَ السَّوْداءْ  . . . 


من ديوان : امرأة بلاسواحل

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق