الخميس، 18 سبتمبر 2014

حرائق على الثلج . . . شعر: د. سعاد الصباح




1

يا الذي لا يشبِه رجلاً
و لا يشبِهُهُ رجلْ
مرآتي أنـْـت . . .
فما أجمل وَجهي .



2


الثلجُ في " مِجيفْ "
أسودُ ... أسوَدْ
و المتزحلقونَ على الجليد
يتزحلقون على أسلاكِ أعصابي .
" مِجيفُ " ترفضُ أن تستقبلَني
و ترفِض أن تكلّمني . . .
و ترفض أن تعترِف بِشرعيّـتي
إلا و أنا متعلّقة بذراعك اليسرى . . .
فهـَل يمكن أن تَرُدَّ إليَّ اعتباري ؟
في هذه القرية الفرنسيّة الجميلة
التي اختارتكَ رئيساً لبلديتها ؟ . . .



3

أيُّها الرجلُ
الذي أخذَ خرائطَ الثلج في جيبِه
و تركني أتزلج على ثلج أحزاني .
أيهّا الرجلُ الذي شربّ كلَّ قهوةِ فرنسا
و تركني أشربُ دموعي .
إنني هنا عاطلةٌ عن الفَرَحْ . .
و عاطلةٌ عن الحبّ . .
و عاطلةٌ عن أنوثتي .











4


شَوارعُ " مِجيفْ " مضرّجةٌ برائحةِ صوتِكْ
و كراسي المقاهي . . محجوزةٌ على اسمكْ . .
و جُبْن منطقة " السافوا " . . لا طعمَ لهُ بعدَك . .
و آثارُ أقدامِكَ على الثلج . .
محفورةٌ على جدرانِ الذاكرة . .
فأعِدْ إليَّ يا سيّدي . .
خرَائط المدينـه . . .








5



السّاعة ُ تَدقُّ
و أجراس أحزاني تدُق معها
و رياح الألب تنزعُ قبعةَ الصوف عَن رَأسي . . .
و الثلج يحرقني بنارِهْ . .
و أنت تمرُّ في شراييني .
شرياناً ... شرياناً
شبْراً ... شبْراً
زاويةً . . زاويـه
موقِعاً . . . موقعاً
الساعة تدُق
و أنا مدجّجة بالعشقِ حتى أسناني .
فيها أيّها المختبىء في أهدابِ غمامهْ
فلتهمرْ روعةَ أمطاركْ .
فأيّامي تتشقَّقُ عَطَشاً . .





6

أيّها الفارسُ الذي يلفُّني بعبارَةِ رُجولته .
من شمالي , حتى جَنوبي ..
من شفتي , حتى خاصرتِي . .
يا مَن يكتبُ قصائد العشْقِ على تضاريس أيّامي
قلبِي فاكهةٌ تنتظر القِطاف
و مساماتي مفتوحةٌ لمراكبكَ القادِمةِ مع الريح
فيا أيّها البحّارُ الذي شقّقَ ملحُ البحرِ شَفتيهْ .
أنا مملكةٌ من النساءْ
فازرَعْ مِرساتكَ على سواحِل وجداني . .
و امنَحني بَركاتِ أبوَّتِكْ
فلا بيتَ إلاّ أنتْ
و لا قبيلةَ إلاّ أنتْ
و لا وطنَ أنتسِبُ إليْه . .
إلاّ أنتْ .






7
في الرّابعة
يرتفِعُ بحرُ ولهي , حتى يهدمَ كلَّ سُدودي
و يقتلعَ كلَّ أشجاري . .
و يلغي خطوطَ لغتي . .
و خطوطَ ذاكرتي .
في الرابعة
أشتعلُ فوق ثلج " مِجيفْ "
كَشجرةِ عيدِ ميلادْ
و أصرَخُ حتى ينغرسَ صوتي بصوتِكْ
و تنغرسَ جذوري في ترابِكْ . .
و أصبحَ جزءاً من دورتكَ الدمويَّة . .
























8
أيّها الفارسُ الذي أنتظرُهُ . .
منذ بدايةِ الأشياء
إنَّ أشجارَ حناني . .
و أزهارُ قلبي مُسْتَنفَرَه . .
و طيوري . . و أسماكي
و أبراجُ فكري . . مُسْتَنفِره . . .
فترجَّل عن حِصانِك , يا سيِّدي
و قاسمْني
لحظاتِ الشعر . . و لحظاتِ الجنون . . .









9

ماذا أفعَلُ بِـتراثِكَ العاطفيِّ المزروعِ في دمِي
كشجرةِ ياسمِين ؟
ماذا أفعَلُ بصوتِكَ الذي يَنقُرُ كالدّيكِ
وجهَ شراشفي ؟
ماذا أفعلُ بِبَصماتِ ذوْقك على أثاثِ غرفتِي ؟
باللوحاتِ التّي انتقينَاها معاً
و الكُتُبِ التّي قرأناها معاً
و التذكاراتِ السياحيّةِ التي لملمناها من مُدنِ العالم
و بالأصدافِ التي جمعناها من شواطئ البحر الكاريبي ؟
قُـل لي يا سيِّدي :
ماذا أفعَلُ بهذه التركة الثقيلة من الذكرياتِ
التي تركتَها على كتفيّ ؟
لقد حاولتُ أكثرَ من مرّةٍ . . أن أتخلَّص منك . .
و منها
و لكنّني خجلتُ من بيْعِ تاريخي
و بيْعِ مشاعري
و بيْعِ ضفائري في المزاد العلنيّ























10





إلى أيّة مدينةٍ من مدُن العالم .. سأذهبْ
و معكَ خرائطُ كلَّ الأمكنةْ
و في أيّ مقهى سأجلسْ
و أنتَ احتكرت أشجارَ البُنّ
و رائحةَ القهوةْ ؟
و بأيّة لغةٍ سوف أتكلّم
و بيديّكَ مفاتيحُ لغتي ؟ ...
حاولتُ ترحيلَكَ إلى الوجهِ الثاني من القمَرْ
فلمّا طلَع القَمر . . عدتَ مع أشعّتهْ
و وجدتُ وجهَكَ مرسوماً على زجاجِ نافذتي
حاولتُ أن أرسلكَ إلى أمّك
التي علّمتكَ الدَّلعَ . . و الفَوْضى . .
و هوايةَ جمعِ الطوابعِ
و جَمْعِ النساءْ
و لكنّها أعادتْكَ لي بالبريدِ المضمونْ
مع أطيبِ التمنّيات .




























 من ديوان: خذني إلى حدود الشمس

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق