الخميس، 18 سبتمبر 2014

رجُل في الذّاكرة . . . شعر: د.سعاد الصباح





1

مُشكِلتي معك , لا عَلاقة لها بِقلبي
بل بذاكرتي . .
هذه الذَاكرةُ التي تحتلُّها احتلالاً قَسْريّاً
منذ مئةِ عامْ
دونَ رضايَ . .
و دونَ إرادتِي . .
و دونَ أن يكونَ مَعَكَ عقدُ للإيجار . . .







2
منذ مئةِ عامْ . .
و أنت تعيشُ في ذاكرتِي
كما لو كانتْ شَقَّتَكَ الخُصوصيّة
تتمددُ على وسائِدها متى تشاءْ . . .
و تعلّقُ ثيابكَ في خزائِنها متى تشاءْ
و تأخُذُ قَيْلولتَكَ فيها حينَ تشاءْ . . .
و تستعملُ ثلاجتها ...
و تصنَعُ قهوتكَ حينَ تشاءْ . .


3
منذ مئةِ عامْ . .
و أنتَ مُعربَشٌ كحشائشِ البحرْ
على شواطئ ذاكرتي .
أطلبُ منك الهجرةَ . . فلا تُهاجِرْ
و أشتري لك بطاقَةَ سفَرٍ . . فلا تسافرْ
و أغلقُ حقائبكَ . . فتفتحها من جديدْ . .
و أطلبُ من البوليس أن يُلقي القبضَ عليكْ
فيُلقي القبضَ عليّ . .












4
منذ مئةِ عامْ . .
و ذاكرتي لا تتذكَّرُ رَجُلاً غَيركْ . .
و لا تعرفُ من التاريخ , غير تاريخِكْ
و لا تعرفُ من الجغرافيا , غيرَ مساحةِ يديكْ . .
و لا تعرفُ من الثقافة .. سوى كلماتِ الحُبِّ
التي تكتُبُها على قميصي . . .

5


منذ مئةِ عامْ . .
و أنا أُحاوِلُ أن أكسرَ دائرةَ الطباشيرْ
التي حَبَسْتَني فيها . .
و خبَّأت مفاتيحَها في جَيْبِكْ
منذ مئةِ عامْ . .
و أنا أُحاول أن أقنعَكَ باحترامِ حقوقِ الإنسانْ
و حقوقِ الأُنوثَةْ
و لكنَّكَ . . كَكُلِّ ذكور القَبيِلَة . . .
بقيتَ مصِرَّاً على الاحتفَاظِ بممتلَكاتِكْ . .
التي لا تغِيبُ عَنها الشّمس  . .
و بَقيتَ رافِعاً أعلامكَ الحمْراء
فوقَ أسوارِِ ذاكرتي . . .






6


أيُّها الجالسُ مَلِكاً فوقَ عرشِ ذاكرتي
حَرِّرني و لو ليومٍ واحدٍ من سُلطانِك
فكلُّ شارعٍ أمشي فيه . . . يحمِلُ اسمَك
و كلُّ مقهى ألجأُ إليه . . . يرفُضُني وحدي . . .
و كلُّ حديقةٍ عامةٍ تُـقفَلُ أبوابَها في وجهي . .
و كلُّ البوتيكات التي أشتري منها ثيابي
لا تبيعُني شيئاً . . . قبلَ أن أستشيرَكْ . . .
فاخرُج من تحت جِلْدي
حتّى أعيشَ حياتي بصورةٍ طبيعيَّةْ
و أتنفَّسَ بصورةٍ طبيعية .









7


إننِي أحملكَ في داخلي
كامرأةٍ في شهرها التاسعْ . . .
فكيفَ أتخلصُ منك ؟
كيفَ أقطعُ حبْلَ مشيمتي معَكْ
و أنت مشتَبِك ككُرةِ الصّوفْ

بأحلامي , و رغباتي , و جهازي العصبيّ ؟
كيفَ أتركُكَ على قارعةِ الطريق
تحتَ الثلجِ و المطر , و الأعاصيرْ . .
و أنت أوّلُ طفلٍ ولدتُهُ
و آخرُ طفلٍ سوفَ ألِدُه ؟ . .







8



لقدْ سقَط جدارُ برلين , يا سيِّدي
و سقطَت حجارة العالم القديمْ
و تحرَّرت جنوب إفريقيا من حكم الرجُل الأبيَضْ
بعد ثلاثمئة عامْ . .
فلماذا , يا أيُّها الرجلُ الأبيَض
تواصل احتلال ذاكِرتي ؟
لماذا تزرعُ الألغام في ذاكرتي ؟
و الحرائقَ تحت مخدّتي ؟









9


كيف أقتلعُكَ من ذاكرتي
و أنت متشبّثٌ بها
كما تتشبّث الشُّعَب المرجانيّةْ
بصخورِ البحر الأحمر ؟ . . . . . . . . . . .






10


يا أيُّها المستأجرُ الأبديُّ لمشاعري
اذْهَبْ إلى أي فندقٍ تشاءْ . . .
و أنا سأدفعُ أجرةَ إقامتِكْ
ادخلْ إلى أيِّ مقهى تختارُه . . .
و أنا سأدفَعُ ثمنَ قهوتِكْ . . .
تزوَّج من أيِّ امرأةٍ تعجبُكْ


و أنا سأدفعُ لك المهْر ! ! 




من ديوان: خذني إلى حدود الشمس

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق