السبت، 5 مايو 2012

كلمة د.سعاد الصباح في ملتقى (كيف أحدد مستقبلي)



                                        
 الكويت 1/5/2012




بسم الله الرحمن الرحيم



أيها الأحباء..  الأحباء

ياحمائم القلب،  وأزاهير الروح، ويا نبض الوطن

ياوجوه أحفادي .. ويارائحة طفولتي التي أراها تتلألأ في ملامحكم الجميلة النبيلة..
حتى أراني بينكم الآن طفلة نهضت في قلبها الأحلام.. فشقت طريقها، وخاضت في بحار العلم والمعرفة والنضال.. ثم عادت منتصرة. تفخر بكل إنجازٍ، وبكل جرح.. فجروح المحاربين والفاتحين والمدافعين في الصفوف الأولى هي جزء من بطولاهتم.

يا أمل الكويت بغدٍ بهيٍّ, مكلّلاً بنور العلم محاطا بسور المعرفة.. شاهقا بالطموحات الكبرى.

ياأنتم..
يافهد.. يا عبدالله..  ياسعاد.. ويافضيلة.. وبقية أحفادي الذين أطالع عيونهم في عيونكم ..
..
جئت إليكم لأحكي لكم طرَفاً من سيرة مواطنة كويتية عربية اسمها "سعاد محمد الصباح".. فلها حكاية تستحق أن تُروى منذ الضحكة الأولى حتى الدمعةِ الأخيرة، ومن أول صرخة بحثت فيها عن قطرة حليب إلى آخر صرخة طالبت فيها بماء الحرية من مجتمعاتِ الملح.
هي امرأة اختارت السفر في سماء العلم والمعرفة لايمانها بأن امرأة لاعقل لها كالنباتات الطفيلية تعرقل مسيرة المجتمع.
هي امرأة تشكلت طفولتها في ملاعب الشمس والرمل والماء.. تبحث عن لؤلؤة بلون الحلم لتتعلمَ في مدرسة الأسماك أبجدية الإبحار، وتقرأَ أول دروسها في ثقافة الأرض.

نشأت بين يدي والد يؤمن بعقل الأنثى.. وزوجُ يؤمن بقلب الأنثى.. وكان كلاهما يعطي للمعرفة قدْرَها..
..
هل تصدقون أنها كانت أربعة أشياء معا..
كانت: صبية، وزوجة، وأما، وطالبة معاَ.. لأنها آمنت بأركان النجاح الأربعة: (الإيمانُ بالله، والطموحُ، والمثابرةُ، والصبر)

حملتها سفينة الحياة  في بدايات الستينات من الكويت إلى بيروت، لتطل من الشرفة اللبنانية على الثقافة والفكر الحر.

وكانت بمثل أعماركن عندما انطلقت إلى أم الدنيا لتحصل على الثانوية العامة وعلى شهادة البكالوريوس من كلية الاقتصاد والعلوم السياسية بجامعةِ القاهرة..
وهناك عاشت في ذروة المد القومي.. ووقفت في الخطوط الأمامية في حرب 1967 تداوي الجرحى.. وتعالج الألم بالأمل، وتقتلُ الوجعَ بالطموح..

ولم يقف قطار حلمها.. بل إن كل محطة نهاية هي محطة بداية جديدة.. ومن هناك كانت رحلة استكمال الدراسات العليا إلى كلية الدراسات الشرقية والأفريقية في جامعة لندن، ثم إلى جامعة ساري في بريطانيا حيث الشابة الجادة الطموح تسابق الزمن وهي تحمل كتبها وتأكل وجبة سريعة في كافتيريا الجامعة ثم تنطلق إلى قاعات الدرس..
ثم تعيش أجمل وأجلّ لحظاتها وهي تقضي الساعات الطوال في مكتبة الجامعة تفتح صفحات العلم، وتقلّبُ أوراق التاريخ ورقة ورقة..
تخطط لأحلامها حلما حلما..
تحب الفن.. فترسم لوحة
تعشق الشعر.. فتكتب قصيدة
تدرس الاقتصاد.. فتبحث عن آفاق تطوير اقتصاد وطنها
تنشر رأيها في الصحافة.. تقيم أمسية.. تناقش فكرة.. وتواصل النحت على جسد الزمن.. حتى جاء يوم التتويج..
يوم كانت أول كويتية تقف على منصة المتميزين المتفوقين مع مرتبة الشرف.. وهي تحصل على شهادة الدكتوراه..

آه يا أحبابي.. لو أعطي كلاًّ منكم نسخةً من إحساس قلبي في ذلك اليوم..

 آه .. لو تعرفون لذة الفوز ، لجالدتُّم الحياة حتى تحققوه ..
..
لكن إنجازات سعاد لم تتوقف عند ذلك.. فبعد العلم جاء العمل.
بدأت تغرس بذور معرفتها في تربة وطنها.. عبر التخصص الاقتصادي وعبر الهواية الأدبية في فن الرسم وفن الشعر..
كانت تؤسس نفسها لتكون نخلة باسقة شامخة تحمل في جريدها قضايا بلادها وأوجاع أمتها.. وكان الإنسان هو قضيتها الأولى وشغلها الشاغل..
الإنسان في أي مكان..
تدافع عن حريته، وتطالبُ بحقه في التعليم والتفكير والتعبير والعيش بكرامة..
..
كان العالم هو وطنها.. وكانت الكويت هي نبضها.. عندما قالت (كل دبوسٍ إذا أدمى بلادي.. هو في قلبي أنا)
..

خاضت وأعطت وتفانت في مجالات التربية والتعليم وفي أندية السياسة وبيوت الاقتصاد والثقافة في الوطن العربي وفي أوروبا وأمريكا...
كان علمها هو سلاحها
كانت لوحتها هي فستانها
وكانت قصيدتها هي مكياجها..


جابت العالم شرقَا وغربَا، شمالا وجنوبَا.. ولم تكن سائحة تتفرج، بل كويتيّةً.. تتعلم وتعمل, تستلهم وتبني.. وهي في الوقت ذاته تربي الأبناء.. ولم تمنعها فجيعتها بابنها البكر عن ممارسة الحياة..
                  
وكانت للتجارب بصماتها الحلوة والمرة على ذاكرة الطفلة سعاد التي فقدت أبويها في سنة واحدة, والشابة سعاد، والأم سعاد، والدكتورة سعاد..


لكن المعرفة تجعل الحياة أحلى وأعلى.. وأغلى.

أما السفر.. فكان أروع قصائدها، إذ زرعها  في قلب الحضارات وغرسها في عمق التاريخ، وفتح لها باب المجد على مصراعيه..
فبالسفر تتحقق العلم وتتألق الثقافة.. وتزداد المعرفة
والثقافة لا تأتينا بل نحن من نذهب إليها.. وعلى الفتاة أن تكسر طوق الجمود وقيود الجهل.. وتمارس حقها في تحقيق احلامها..

لذلك كان السفر كتاب "سعاد" المفتوح.. وأفقها اللانهائي، فقد كسبت أجمل خبراتها من السفر، وسجلت أروع ذكرياتها في السفر، وعرفت أنبل أصدقاءَها في السفر..
ووقفت على عادات الشعوب وتاريخ الناس المكتوب على تضاريس مدنهم وتضاريس وجوههم

كانت تسافر.. وفي حقيبة قلبها الكويت لؤلوة الزمن الجميل.. وهي تغني لها : (كم كنت ياحبيتي جميلة في زمن الأحزان)
كانت تسافر.. على جناح صقر الخليج.. الزوج والصديق والسند والحبيب والظل الظليل عبدالله المبارك..
..
سافرت سعاد إلى الحب.. ومنه جاءت إليكم..
هي تقف الآن أمامكم.. لتتلو قصائد الطهر المكتوبة في وجوهكم..

تلك هي أنا
"سعاد" التي تحبكم.. وتقول لكم.. يا أبنائي ويا أحفادي ويا نبضات قلبي.. إنكم أنتم ثروة الكويت لابحيرات النفط.. فاجعلوا من أرض البترول أرض علم وإبداع..

شكرا لكم.. فأنا بكم أكون أكثر ثباتا وأفصح لسانا
وشكرا لكل القائمين على هذا الملتقى الحضاري
وسيكون احتفالنا القادم باذن الله وانتم تخطون الخطوة الأولى في الحياة العملية وتساهمون في بناء الوطن..
...
فمن منكم يحب أن يكون مثل الفتاة التي حكيت لكم قصتها؟


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق