الأحد، 13 مايو 2012

ثقافة الأسئلة عند سعاد الصباح


إشارقات النقد / في قصيدة «أسئلة ديموقراطية في زمن غير ديموقراطي» (1)

ثقافة الأسئلة عند الشاعرة سعاد الصباح





بقلم:  سعاد العنزي |



نحن في زمن سيطرت عليه ثقافة الأسئلة... التي تفتح دوائر دلالية من الأسئلة التي لا تنتهي، فإن أجدنا صناعة السؤال، فإننا سنضمن فرضية تعالج وتوازي ما هو قائم من وضع معيشي، على المستوى الذاتي أو المستوى الموضوعي، والدكتورة سعاد الصباح في قصيدتها «أسئلة ديموقراطية في زمن غير ديموقراطي»، تنطلق في قصيدتها بفضاء من الأسئلة الجدلية والأزلية، التي تتماس وجرح أي امرأة عربية، تتألم لواقعها الراسخ بين الطموحات والآمال، وبين القيود والحواجز التي تعولب المرأة على شكل سلع جاهزة، تقدم للآخر بتعدد أشكاله، وصوره.
والدكتورة سعاد الصباح في قصيدتها هذه، وجميع قصائدها المتبقية لا تنطلق من تجربة شخصية، لتبوح عنها عبر أدبها، بل إن نقطة البدء عندها تكون من التماس مع هم موضوعي، وحزن موضوعي، يمس كل امرأة عربية، تسير خطاها بارتباك مثقل بأعباء القبيلة والعيب والعار، فلا تكاد أن تقطع شوطا... حتى تعود أشواطا إلى الوراء... بسبب ثقافة الإلغاء والثأر، ثأر عبد مناف.
روح المفارقة والسخرية في العنوان:
العنوان هو: «أسئلة ديموقراطية في زمن غير ديموقراطي»، وهذا العنوان مبني أساسا على التضاد بين ما هو ديموقراطي، وما هو استعبادي، مستبد، غير ديموقراطي، فهو وصف تطلقه الشاعرة على زمن يفترض انه زمن الحريات والتعددية والديموقراطية، لكن تصرفات أبنائه وسمته بأنه غير ديموقراطي، فكأن الشاعرة ترصد روح المفارقة بالعنوان، فتطلق أول رصاصة على مدعيي الديموقراطية، بأن زمنهم الذي يدعون ديموقراطيته، هو غير ديمقراطي، وإن أسألتها التي توجهها هي ديموقراطية تحررية لا تتماشى وطبيعة الزمن، إنها أسئلة مسكوت عنها، من قبل ذاكرة الرجل، ومسكوت عنها أمام المرأة التي تتقي شر إعلان ثورتها وتحررها، على سلطة القمع في بلادها، ولكن المرأة المفكرة والتي تملك حريتها الفكرية والأدبية ستعلنها أمام الملأ على صور متعددة: شعر، قصة، أطروحة علمية... فتسلط الضوء على منطقة مظلمة وحالكة من التاريخ العربي، من خلال منظومة من الأسئلة، التي تتوزع على خمسة مشاهد، كل مشهد يحمل أسئلة عدة، ويعبر عن وحدة من وحدات التاريخ العربي، التي تجاهلناها كثيرا فظهرت لنا كالمارد، الذي لا نستطيع تحديد مكانه والتعامل معه بمعطيات علمية.
تبدأ الحكاية المؤلمة منذ بدايات التاريخ العربي، تقف عند قافلة القبيلة، وأهل البادية الأعراب، حيث الهودج الذي يجره الرجل، مع كامل الإلغاء لإرادتها، فكم رحلت امرأة وخلفت قلبها وروحها في المكان المرتحل عنه، لأنها باختصار لا تستطيع أن تنطق اسمها، أو اسم والدها، أو اسم من علمها الفكر والثقافة، لأنها راسخة تحت وطأة الإرهاب الفكري والروحي، فتعيش وتموت في قارورة الإرهاب... فكيف لها أن تتحرك وأن تُسائل التاريخ... مادام نطق اسمها دونه الموت، وتذكرة عبور نحو التلاشي والعدم.
وهذه الفكرة التي بدأت بها الشاعرة نصها حول إمكانية نطق اسم المرأة، له إرث تاريخي عبر قرون، كما تؤكده الدكتورة مي نايف: «ولما كان الشيء بالشيء يذكر تذكرت ما كنت أقرأه في كتب تاريخ الأدب العربي وهو النقيض ففي بداية عهد النساء بالنشر كن الكاتبات يوقعن أعمالهن بأسماء رجالية أو بالأحرف الأولى من أسمائهن خوفاً من إلصاق التهم بهن والنظر إليهن بدونية واتهام أسرهن والبدء بالتفنن في عقابهن. لقد كان من التابو ذكر اسم الأم أو الأخت، فالأسماء الشخصية تحذف وليس للكاتبة ذكر أسماء أجزاء معينة من الجسم، أو التحدث حول وظائفها كما يستعملها الرجال أو الشباب. لذلك كن يعتمدن على الكنايات والانزياحات لإيجاد كلمات أو عبارات مهذبة وملطفة قد تصبح مع كثرة الاستعمال كالكلمات الأصلية الصريحة». (الكتابة النسائية، مقالة في دنيا «الراي»، انترنت)
فبعد البدء بأحد أطراف المعاناة والحرمان من تابو نطق الاسم، تواصل الشاعرة إبحارها في عالم التساؤلات في وضعية مستمرة في حلكتها، واستبدادها، وموشومة بصفات دائمة ومطلقة، فهي تقطن في مدن الزواج في المتعة، والغرام بالأنياب، وما هي ظلال كلمة الأنياب التي هي صفة مقترنة بالوحوش والحيوانات المفترسة، التي تتعامل مع هذا الكيان كتفاحة حمراء شهية، يتقاسمها الوحوش، في مائدة الذباب... وهنا دلالة لتحقير الوضعية وتعفن الموجودات وفسادها... فالذباب لا يبحث إلا عن القبح والعفن...
فتقول:
«هل تستطيع امرأة
في مدن الزواج بالمتعة، والطلاق بالأربع،
والغرام بالأنياب
ألا يكون لحمها تفاحة
حمراء... في مائدة الذباب؟». (ديوان «والورود تعرف الغضب»، ص 219)
جدلية الصمت والكلام:
ثاني مشهد من مشاهد ولوحات القصيدة، وثاني حزمة من الأسئلة تقفز بها الشاعرة من زمن الأعراب إلى الزمن الحالي الذي يؤكد ان الوضع لم يتغير بعد ألف عام، فالحال قار وثابت، والعقلية الاستبدادية هي ذاتها التي تسير الأمور.
فتتساءل الشاعرة عن قضية الكتابة أم الصمت، وهل تستطيع امرأة أن تدعي الكتابة في زمن سيطرت عليه صيغة المذكر، فكل شيء وسم بالذكورة، السيف، والشعر والأدب والقمر، والحب، والظلم منذ البداية مذكر، فكيف لها أن تسكب فناجين قهرها وألمها في الورق، مادام كل شيء مذكرا حولها... فهل لها أن تعلن أنوثتها وتسجل أناتها في الورق، وكل ما هو أنثوي رقيق، يقابله ضد قوي مستبد مذكر،، وهذه ثنائية ضدية أخرى تقابل بنية التضاد في العنوان*
فتقول:
«هل تستطيع امرأة
في زمن الإحباط والكآبة
أن تدعي الكتابة
وكل شيء حولها مذكر
السيف في قاموسنا مذكر
والفكر في تاريخنا مذكر
والشعر في آدابنا مذكر.

* كاتبة وناقدة كويتية
Mobdi3on@windowslive.com


نشر في جريدة الراي

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق