الاثنين، 14 مايو 2012

صباح الخير أيتها الديمقراطية

| بقلم: د. سعاد محمد الصباح |











المعركة الانتخابية الجميلة، والعادلة، والأخلاقية التي جرت على أرض الكويت في الأسابيع الأخيرة، أكدت للدنيا كلها أن الديموقراطية هي جزء أساسي من تركيب الدم الكويتي، وأن اللّه خلق الكويتيين أحراراً منذ ولدتهم أمهاتهم.
فهذا الحوار الحضاري المدهش الذي جرى في المقرات الانتخابية، وسُخرت له التكنولوجيا والصوت والصورة والتقنية الإعلامية المتطورة لإيصال صوت المرشح إلى الناخبين، وشهده جيش كبير من رجال الإعلام العرب والأجانب.
هذا الحوار الحضاري الذي جرى في إطار نموذجي من حرية التعبير واحترام الرأي الآخر... يذكرني بأجواء الانتخابات في الدول المتقدمة... حيث يتوجه الناخبون إلى صناديق الاقتراع وليس معهم سوى قناعتهم وحريتهم...
لم يكن في الانتخابات الكويتية قمع من أي نوع كان... ولا إكراه من أي نوع كان... ولا كانت هناك مسدسات تضع الناخبين في سيارات... وتجبرهم على التصويت بكلمة «نعم» للزعيم الأوحد... لا «زعيم أوحد» في الكويت... والحمد للّه.
«فالزعيم الأوحد» في الكويت... هو الشعب الكويتي وحده، والحرية هي تراثُنا الكبير الذي نتوارثه أباً عن جد...
الحكومة الكويتية لم تراهن في الانتخابات على أي حصان... تركت كل الخيول تركض كما تشاء... وتصهل كما تشاء... وتمارس خياراتها كما تشاء. وكذلك فعلت وزارة الداخلية، التي تصرّفت على أعلى مستويات التجرد، والسمو، والنظافة... مع أن تاريخ وزارات الداخلية في بلادنا العربية، وفي بلاد العالم الثالث، لم يكن أبداً تاريخاً عطراً، ولا ناصعاً.
إن يوم الخامس من أكتوبر هو نقطة مضيئة في التاريخ الكويتي... وهو شهادة ناصعة، على أصالتنا، وتجذّرنا في تراب الديموقراطية.
ورغم الكارثة التي مررنا بها، والجراحات التي تركها الغزو العراقي على أجسادنا وأرواحنا، فقد أثبتت التجربة الانتخابية الناجحة التي خضناها، على أننا لا نزال أقوياء، وأصحاء، وأننا لم نفقد إيماننا باللّه... ولا بالأرض... ولا بحريتنا.
لقد نجحنا في امتحان الديموقراطية بدرجة الامتياز، ولم يعد أحد يستطيع أن يعيدنا بالبطش، والقسوة ومخالفة شريعة حقوق الإنسان.
إن الأنظمة البوليسية القائمة على البطش، والقتل، والتصفيات، وامتصاص دماء شعوبها، لا يمكنها بالطبع أن تُعجب بالديموقراطية الكويتية، أو ترحّب بها... فالأعمى يغار من الضوء... والسجين يخاف من أي نسمة حرية.
كل ما قالته الكويت عن الديموقراطية... دخل اليوم مرحلة التطبيق، وكل ما وعد به أمير البلاد تحقق مع فجر الخامس من أكتوبر.
فها هو مجلس الأمة يجتمع من جديد ليعبّر عن إرادتنا وقضايانا وأمانينا. وها هو الدستور يحرس حقوقنا ومستقبلنا وحريتنا وكرامتنا.
وها هو الوطن يبرأ من جراحاته العميقة، ويقف على أقدامه سليماً، ونشيطاً، ومعافى. وها هو المواطن الكويتي يسترجع ثقته بنفسه، ويستعد ليكون جزءاً من العصر والمتغيرات في النظام العالمي الجديد.
يوم الخامس من أكتوبر، كان جائزتنا الكبرى، فالذين انتظروا أن تكون الانتخابات الكويتية... مجزرة يذبح فيها المواطنون بعضهم بعضاً، خاب ظنهم، وتساقطت آمالهم، وأثبت الشعب الكويتي أنه يشكل نسيجاً عضوياً ملتحماً لا يمكن اختراقه.
لقد تصرف كل مواطن كويتي بحس حضاري يحسد عليه... ودخل المعركة بروح رياضية.
أليست هذه بحد ذاتها معجزة، في عالم عربي لم يعد يتذكر كيف تحدث المعجزات؟
فأهلاً بمجلس الأمة الجديد.
وأهلاً بالقادمين الجدد، الذين نرى في عيونهم آمالنا وأحلامنا، ومستقبلنا الجميل.
والآن... وقد انتهى موسم الامتحانات...
وأطفئت الأنوار وأزيلت الخيام... ونجح من نجح... ورسب من رسب
أود تذكير الفائزين بأن العمل النيابي ليس استعراضاً... ووجاهة... ووظيفة روتينية... ولكنه خلق، وفكر، وابتكار.
على الناجحين في الانتخابات، أن يُدخلوا الكويت إلى عصر الحداثة، وأن يجعلوها طليعة ثقافية، وعلمية، واقتصادية، مبتعدين عن الفكر الاتكالي... والرومانسي.
مهمتهم هي أن يستأصلوا بقايا العصبية، والطائفية، والقبلية من حياتنا.
مهمتهم أن يكونوا حراساً على سيادة الكويت... وحريتها... ومستقبلها... لا أن يكونوا مجرد صيادي أخطاء.

* من كتاب «كلمات... خارج حدود الزمن» صدر حديثا.



نشر في جريدة الراي


العدد 10796 - 21/01/2009

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق