الأربعاء، 16 مايو 2012

قصائدها لها لغة خاصة تقترب من لغة الحوار اليومي


الشاعرة سعاد الصباح ملكة قلعة مطلسمة بسحر المرأة الشرقية







بقلم: فيصل عبدالمحسن







كتبت الشاعرة د. سعاد محمد الصباح في ديوانها ) فتافيت امرأة( شهادات عن عصرها كشفت مساوئه 
وكانت في كل قصيدة شاهدة اتهام . وأزعم هنا لو أن أحداً أراد صورة لعصرنا بعد سبعين سنة مشكلة 
في أدبنا لكان أكثر تعويله على ديوان من دواوين هذه الشاعرة وأهمها وأكثرها حضوراً ديوان فتافيت 
امرأة. 
سعاد الصباح األميرة الكويتية كأنها تصرخ برجال أمتنا العربية أنهم ال يقدرون حريتهم وحرية غيرهم 
كما ينبغي فهم عادة يسرفون إذا اكتالوا ويطففون إذا كالوا ويرون للرجل الحق في كل شيء وأن يقول ما 
يشاء ويسب ما يشاء وينكرون على المرأة هذا الحق. 
وكان يخيل إلي أن الشاعرة كغيرها تتأثر بالميول الوقتية للشعر أكثر من تأثرها باآلراء والعقائد وربما 
كانت هذه الحصيلة األولية عند استماعي لها وهي تلقي قصيدة في مهرجان المربد الشهير في الثمانينات 
ببغداد فأحدثت طريقتها باإللقاء في نفسي أثراً بليغاً ً  وبقيت زمنا طويال عقب ذلك المهرجان ال أقرأ بعيني 
شعراً ألحد الشعراء إال وكان يخيل إلي أني أسمع صوت د. سعاد الصباح كأنما نبرات صوتها ترن في أنحاء 
نفسي وصارت صورتها تخالط في ذهني صور الشعراء الذين اقرأ لهم فيزداد صفاء تصوري لألخيلة 
التي يراها الحالم في رؤاه وال يفلح في إبعادها إال إذا استيقظ بل قد يبقى منها حتى بعد اليقظة حينا ثم 
تضمحل ويعود الواقع إلى واقعه القاسي الدامي



والغريب أن قارئ شعر الصباح يصل إلى استنتاج 
مفاده أن في نفس الشاعرة ثالث شخصيات هي 
على التوالي: عنترة عبس ، وسندباد ألف ليلة وليلة 
وشاعرة العرب الخنساء ، فاستمع إليها هنا على سبيل 
المثال وهي الساخرة دائماً من القوالين: يقولون : إني 
كسرت رخامة قبري ../ وهذا صحيح/ وإني ذبحت 
خفافيش عصري ../ وهذا صحيح / وإني اقتلعت 
جذور النفاق بشعري / وحطمت عصر الصفيح/ فإن 
جرحوني .../ فأجمل  مافي الوجود غزال جريح / وإن 
صلبوني / فشكراً لهم/ لقد جعلوني بصف المسيح. 
لقد وقفت الشاعرة سعاد الصباح في شعرها إلى 
حسن المالئمة بين معانيه ومبانيه فاأللفاظ تنسجم 
فيما بينها وكذلك المعاني وفي تكوين الهدف العام 
الذي يريد بناء القصيدة توصيله لنا وكل قصيدة في 
هذا الديوان زهرة نضرة في فوضى الشعر العربي 
الحديث وزهرة واحدة في بستانها المزهر تكفي الن 
تمأل باديتنا المجدبة ارجا طيبا ويجد قارئ الديوان أن 
كل قصيدة تأتي مكملة لما قبلها في دورة متكاملة 
تذكرنا بعقد الجواهر البراق ما يؤكد أن الشاعرة 
هي شاعرة رأي وعقيدة قبل أن تكون شاعرة متأثرة 
بالميول الوقتية للشعر أو ما يسمى بالموضة السائدة 
كما أسلفنا . استمع لها تقول في قصيدتها المجنونة 
بلسان نسائنا العربيات: 
أنا في حالة حب ليس لي منها شفاء / وأنا المقهورة 
في جسدي / كماليين النساء / وأنا مشدودة األعصاب 
/ لو تنفخ في داخل أذني / لتطايرات دخانا في الهواء 
/ أنني ضائعة كالسمك الضائع في عرض البحار / 
فمتى تنهي حصاري ؟/ يا الذي خبأ في معطفه مفتاح 
داري / يا الذي يدخل في كل تفاصيل نهاري. 
والصباح تمتلك حساسية يد الصياد المسكون 
بتجارب اإلبحار في المحيطات العميقة الذي يستمع 
لرجفة خيوط شبكة الصيد المدالة في البحر لتقتنص 
الكلمات المناسبة لكل قصيدة كما أسلفنا بانسجام 
تام بين مبنى القصيدة وهدفها العام – العقائدي 
– في الكثير من األحيان الذي يأتي في العادة في 
الحركة األخيرة من القصيدة أو في أولها في بعض 
األحيان ، كقولها في قصيدة المجنونة: 
انتمائي هو للحب / ومالي لسوى الحب انتماء / 
وطني ... / مجموعة من شجر الليمون في صدرك 
والباقي هراء بهراء.... 
وقولها في بداية قصيدة كويتية : ياصديقي : في 
الكويتيات شيء من طباع البحر/فادرس قبل أن 
تدخل في البحر – طباعي..
وقصائد سعاد الصباح ال تكاد تقع الملكية الشائعة 
)النشر( حتى يتهافت عليها صعاليك الشعر يستعيرون 
منها كما تستعير الشركات الفقيرة عالمة الشركة 
األصلية ذات االعتماد الموثوق به ويفتحون بما اخذوا 
منها باب السوق لبضاعتهم الرديئة ، فقبل أيام قرأت 
في صحيفة لندنية لشاعر وال مجال هنا لذكر اسمه 
وقد اخذ الكثير من قصيدة الصباح الكويتية ولم 
يكتفي بذلك بل وضع لقصيدته العنوان ذاته فصار 
اسم قصيدته كويتية ايضاً وجعلها فيما أظن ماركة 
مسجلة باسمه يرويها لمن يأتي بعده من أصدقائه 
الشعراء الصعاليك ليقدموا بها قصائدهم والغريب 
أن احداً ال يدافع عن حقوق هذه الشاعرة وربما ال 
يخوض احد غمار هذه المحاولة للسبب ذاته الذي 
كتب حوله الكاتب اللبناني المعروف ) سمير عطا 
اهلل( في احد إعداد صحيفة الشرق األوسط حين حدد 
سبب قلة كتابته عن هذه الشاعرة فقال:“ عرفت 
مبكراً جدا معنى مشاعر اآلخرين وكرامتهم ومعنى 
الضعف البشري وعظمة الكلمة الطيبة الراقية وسفه 
الكلمة السفيهة وفظاظتها وقررت أن اكتب بالقلم ال 
بالمطرقة وأن أحيط نفسي بالمحبين ال بالكارهين 
وال بالمحتقرين ومن كثرة حساسيتي في هذا المجال 
منعت نفسي عن إعطاء بعض النفوس النبيلة حقها 
ً وأعطيت مرة مثاال على ذلك الدكتورة / سعاد الصباح 
) الشرق األوسط في 2003/ 10/ 19م(. 
وفي هذه العجالة أتجاوز الحساسية التي يتحدث 
عنها عطا اهلل وأقول كلمة حق في شاعرة أمتعتنا 
بإبداعها الراقي ودفاعها عن المرأة العربية وقضايا 
اإلنسان العربي في كفاحه اليومي من اجل حياة 
كريمة يتجاوز بها معاناته وواقعه القاسي ولن 
أتحرج من حبي لشعرها على اإلنصاف في نقد 
ديوانها واستمع إليها في القصيدة التي اخذ الديوان 
اسمه منها : أيها السيد: ماذا بمقاديري فعلت؟ لم 
يعد عندي انتماء غير أنت... / انك القومية الكبرى 
التي تربطني . 
وال تكتفي الشاعرة برسم صورة المرأة السجينة 
عند سيدها الرجل بل إن سجنها يمتد ليشمل كل 
ماله عالقة بكيانها اإلنساني حتى يصل درجة اإللغاء 
لوجودها. 
كل أوراقي التي احملها في سفري فوقها رسمك 
أنت / والمرايا .. ال أرى وجهي بها / بل أرى وجهك 
أنت / والكاسيتات التي اسمعها في خلوتي / عكست 
ذوقك أنت ../ لم يعد عندي مكان / بعدما استعمرت 
كل األمكنة / لم يعد عندي زمان بعدما صادرت كل 
األزمنة.... 
وفي الموتيف الثالث من القصيدة وهي بالفعل 
قصيدة موسيقى تقوم على ذات فكرة الموتيفات 
الموسيقية التي تؤدى في السيمفونيات الخالدة 
وتضع الشاعرة فيها قضية المرأة العربية بين يد 
القارئ ليحكم بنفسه / سيدي ، يا سيدي / أيها 
الحاكمني من غير قانون / ومن غير شرائع/ أيها 
الحابسني كالماء مابين األصابع. 
وعلى الرغم من أن الشاعرة توحي للقارئ أن ذلك 
السيد هو ذاته طفلها الذي أخرجته من جسدها لكنه 
في هذه القصيدة على الرغم من خجل األنثى عند 
الشاعرة وما تسبغه عليه من صفات : المالكني / 
المحتلني / الساقط فوقي كالرعود. 
كما أن الموتيف الرابع من القصيدة يدلل بشكل ال 
يقبل اللبس على أن المخاطب في هذه القصيدة هو 
السيد الرجل العربي في عالقته بالمرأة وربما يجلي 
الموتيف الخامس هذا الغموض الذي قصدته الشاعرة 
حيت تقول : أيها السيد اخرج من جهازي العصبي / 
من كتاباتي .. / وحبري / وسطوري / وشراين يدي / 
أيها السيد اخرج / من مالءات سريري / من رذاذ الماء 
ينساب على جسمي صباحاً/ من دبابيسي وأمشاطي 
/ وكحلي العربي. 
 وفي اغلب قصائد الديوان نجد المرأة باحثة عن 
معنى الحرية ومعنى الثقافة الذي تحصره في تعليم 
الحرية للمضطهدين وعن ألم المرأة العربية التي 
تعيش في حياة ال تهواها ويصير للروح ما يوجعها 
ومما يأذن للوهج أن يتدفق عبر المداد حتى تتسامى 
الكلمات فتكون جزءا من الحقيقة وبهائها والمرأة في 
قصائد سعاد الصباح سجينة دائما وعلى الرغم من 
سجنها ال تبدو عليها المذلة أو كما قال ديوجين ) 
يكون األسد حبيسا ولكن ال يجعله الحبس عبدا(. 
وقصائدها التي لها لغة خاصة تقترب من لغة الحوار 
اليومي ما جعل شعرها مفهوما من جميع طبقات 
الشعوب العربية وصار ملمحا من مالمح التحديث 
الشعري في هذا القرن واتماما لما قام به أبو العالء 
المعري وأبو تمام والمتنبي والشريف وابن المقفع 
وزرياب والموشحات األندلسية ورواد الشعر العربي 
الحديث من محاوالت التحديث ألدبنا العربي وجعله 
ً أكثر تعبيرا عن الحياة والمعاصرة وأكثر اعتدال وأصالة 
في حداثته المضمونية كما في حداثته الشكلية... 
ويتساءل المتتبع لحياة الشعراء وإبداعهم عن أيهما 
أحرى بنا متابعته : شعرهم الذي ينظمونه أم حياتهم 
التي يبددونها وربما اجمع الكثيرون على أن حياة 
الشاعر ال تنفصل عن إبداعه الشعري وان الشاعر 
في حياته شعر حي وهذا ينطبق تماماً على شاعرتنا 
فحياتها بيننا عبارة عن قصيدة حقيقية ترف بالحزن 
حينا وباألمل والبهجة حينا آخر ، ولعل موت ابنها 
يرحمه اهلل كان بالنسبة إليها كشاعرة رقيقة الطبع، 
شفافة العبارة أروع نشيد ترفعه األرض إلى السماء 
وقد حاولت أن تلوذ عن ذلك األسى العميق بشعرها 
فربح الشعر من أسى شاعرتنا قصيدة كزهرة 
نضرة مألت روضة باألريج فكأنما كانت الشاعرة 
تغرز أبرتها الدقيقة برفق في الشرايين المتصلبة 
فيسيل حزنها النبيل في النفوس واستمع لها تقول 
في قصيدة كيف أنساه ؟ وهي تندب زوجها المرحوم 
عبداهلل المبارك: 
أخت روحي .. أو عن لوعة قلبي تسألين؟ 
أنا همي ما له في كتب الهم قرين
ليتك اليوم بناري واحترافي تشعرين 
بعد أن غاب الذي كان لي الركن الركين 
والذي كانت ضلوعي وكره الحاني األمين 
كل يوم ينقضي أكبره عشر سنين.. 
كيف أنسى؟ وهو أدنى لي من حبل الوتين
كيف أنسى ؟ وهو الحرقة في دمعي السخين
ويوشك شعر الموت في قصائد سعاد الصباح أن 
يعود إلى نفاده الجاهلي القديم ولكن مع غنى أكثر 
وتنويعات تجعل حزنها أكثر تغلغال في الروح فهي 
في كل حزيران من كل عام وفي ذكرى وفاة زوجها 
– عبداهلل المبارك – يرحمه اهلل تنشر قصيدة تهديها 
إلى روحه وفيها ذلك األنين الموجع الذي يذكرنا 
بأنين الخنساء وامرئ القيس الذي فجع بأبيه ثم 
لقي حتفه بحله قيصرية مسمومة ألنه رفع عينيه 
إلى ابنة قيصر الروم فقتلته تلك الرغبة وقد لقب 
بذي الفروح فقبل قروح الحلة المسمومة كانت له 
كبد مقروحة فجاء شعره محمال بتراجيديا حزينة ال 
سبيل في نسيانها لكل قلب نبيل.
وال نقول عن موت الحبيب المفاجئ في حالة 
الشاعرة سعاد الصباح إال انه ضرب من القتل والعيلة 
واالفما الفرق بين صريع القتل بالترصد ومن اغتالته 
هموم الحياة فجأة ؟ ومن اجتماع الرأي حول فخامة 
وأصالة شعر الشاعرة سعاد الصباح ما قاله فضيلة 
العالمة السيد محمد حسين فضل اهلل -يرحمه اهلل-
في حوار أجرته معه مرة مجلة ” المرأة اليوم“ عندما 
قرن اسم الشاعرة بنازك المالئكة وفدوى طوقان 
واعتبر هاته الشاعرات الثالث نازك ، فدوى ، وسعاد 
الصباح رائدات للحداثة الشعرية العربية. 
وأقول هنا ما قاله الدكتور طه حسين يرحمه اهلل 
إن الثناء الخالص الذي ال يشوبه النقد إنما هو كالماء 
أذيب فيه كثير من السكر وتوشك إن أسرفت في 
شربه أن يأخذك الغثيان ، فأقول إن قصيدة – من 
امرأة ناصرية إلى جمال عبدالناصر – لم يكن من 
المناسب أن تكون في هذا الديوان ولكنها توشك 
أن تخلخل البنيان الرصين لوحدة موضوع الديوان 
بموسيقاها الهتافية الصاخبة ويشعر القارئ بهبوط 
حاد في الموسيقى الهادئة التي ألفها مع قصائد 
الديوان السابقة ، ومع هذا االختالل الضئيل فقصائد 
ديوان فتافيت امرأة ، قصائد حب رقيقة وشعرها 
يشبه ما يسميه الفرنسيون بقصائد العناق التي ال 
تقال جهرا وفي فضاء واسع الن الفضاء الطلق يضيع 
الروح من نغماتها ويمحو حسنها أنها قصائد تقال 
حين يفرغ الصفي للصفي ويتمتع الحبيب بقرب 
الحبيب وقصائدها الوداعية تمتاز بالرفق والرقة وهي 
تخاطب القلوب المكلومة الضمائر المثقلة بالذكريات 
.. وعندما يرصد الناقد شعر سعاد الصباح الوطني ال 
يستطيع أن يضعه ضمن حافتي نهر التساعه وتنوعه 
وربما سيقول عنها النقد قريبا أنها شاعرة الضوء 
وشاعرة المدينة وشاعرة المرأة وقد تبدو للجميع 
قلعة مقفلة لها باب مسحور ال يفتح إال لدفع الصدقات 
للمحتاجين أو لعاشق ظل الطريق وربما يرى فيها 
آخرون سليمان الحكيم يكلم النبات والجماد أو يرون 
فيها ملكة قلعة مطلسمة بسحر المرأة الشرقية 
فتراها في األعياد تدور في األسواق توزع بركاتها 
وقصائدها على المرضى فتكون لهم آيات شفاء.. 
والكتابة عن ديوان فتافيت امرأة تستغرق حيزا كبيرا 
ال تطيقه عجالتنا اليومية هذه. 
والشاعرة د . سعاد الصباح اتخذت في كل قصيدة 
من قصائد الديوان موضوعا لهجاء الكثير من نقائضنا 
ورداءة أحوالنا وهجاؤها مر شديد المرارة لكن سامع 
الهجاء يشعر دائما انه ليس المقصود بل غيره 
وهكذا فهو سيشارك الشاعرة نقمتها كأنما لو كانت 
سعاد الصباح تقول ما كان يتمنى المواطن العربي 
األعزل قوله وليس غريبا على الشعر دوره االجتماعي 
واإلصالحي في المجتمعات على مر التاريخ فقد كان 
الشاعر يسمى بالالتينية )Vates( ومعنى التسمية 
)النبي( وذلك ما دفع العرب الجاهلين فيما يبدو 
إلى وصف النبي محمد ) صلى اهلل عليه وسلم( بأنه 
شاعر وكان قائلهم يقول مستنكرا : أننا لتاركوا آلهتنا 
لشاعر من فقراء قريش فجاء في المحكم المنزل“ 
وما علمناه الشعر وما ينبغي له أن هو إال ذكر وقرآن 
مبين“ . 
تقول الشاعرة سعاد الصباح في قصيدة فيتو على 
نون النسوة : 
يقولون : إن الكتابة إثم عظيم 
فال تكتبي 
وإن الصالة أمام الحروف .. حرام 
فال تقربي 
وإن مداد القصائد سم .. 
فإياك أن تشربي 




نشرت في جريدة 14 اكتوبر اليمنية

الأثنين - 24 اأكتوبر 2011م - العدد 15299


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق